/جويل رياشي/
كاد توقيف عقارب الساعة وعدم تقديمها، مواكبة للتوقيت الصيفي العالمي، يعيد البلاد سنوات بالزمن إلى الخلف، تحديدا إلى ذلك الاحد 13 أبريل 1975، يوم انفجر الاحتقان بين اللبنانيين والفلسطينيين في مواجهة مسلحة في منطقة عين الرمانة بضاحية بيروت الشرقية، وأطلق مسلحون مناصرون لحزب “الكتائب” اللبناني النار على باص يقل لبنانيين وفلسطينيين كانوا عائدين من الشطر الغربي من العاصمة اللبنانية إلى مخيم تل الزعتر في الشطر الشرقي.
وجاء إطلاق النار ردا على مقتل الكتائبي جوزف أبو عاصي من أبناء المنطقة قرب كنيسة سيدة الخلاص قبل ساعات، من رصاص مسلحين فلسطينيين كانوا يستقلون سيارة “فيات”.
وبالعودة إلى تثبيت عقارب الساعة عند التوقيت الشتوي من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استجابة لرغبة رئيس مجلس النواب نبيه بري مراعاة للصائمين في شهر رمضان المبارك، فقد رسمت خطوط تماس جديدة في معاصم أيدي الناس هذه المرة وليس بين المناطق جغرافيا. وبات السؤال عن الساعة مؤشرا لمعرفة طائفة المجيب. إذا رد معتمدا التوقيت الصيفي فهو مسيحي، والعكس يعني انه مسلم.
الفتنة لم تذهب يوما إلى غير رجعة، والخوف من “إيقاظها” مستمر لأنها تنام نوما خفيفا. تراجع مجلس الوزراء مجتمعا عن قرار رئيس الحكومة، بعدما لعب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط دورا توفيقيا حاسما بالضغط على ميقاتي للتراجع، طالبا من وزير التربية المحسوب عليه عباس الحلبي اعتماد التوقيت الذي طالب به البطريرك الماروني بشارة الراعي ومطران بيروت للأرثوذكس إلياس عودة، رغم تصلب ميقاتي بداية بالقول “ما اتخذ قد اتخذ”، في نية لعدم تراجعه.
الفتنة تنام نوما خفيفا في بلاد عرفت دمارا في الحجر والبشر. نتذكر بعد ايام تاريخ 13 أبريل 1975 حيث عمت الفوضى والدمار وآلة القتل على الهوية، واندلعت حروب انتهت رسميا في 13 أكتوبر 1990 بإطاحة حكومة العماد ميشال عون العسكرية، وتغليب وثيقة الوفاق الوطني التي أقرها النواب المنتخبين في دورة 1972 في مدينة الطائف السعودية في 1989. وتلا إسدال الستارة على الحرب الاهلية، حروب اخرى لم تقل ضراوة بينها عملية “عناقيد الغضب” الاسرائيلية في أبريل 1996، وحرب يوليو 2006 الاسرائيلية ايضا، والقضاء على الارهاب التكفيري في عملية “فجر الجرود” في 2017.
اما التاريخ الثاني الذي انطبع حديثا في ذاكرة البلاد واهلها لناحية السقوط بغير أعمال عسكرية، فهو تاريخ احتجاجات 17 تشرين الاول 2019 وما تلاها من انهيار مالي وضرب للقطاع المصرفي وضياع أموال المودعين، ودخول البلاد عهدا غير مسبوق لجهة الركود الاقتصادي ونشوء أزمات تربوية وصحية ومعيشية جراء الانهيار المالي.
لكن حادثة “البوسطة” تبقى الرمز لشرارة اندلاع الحرب الأهلية التي بدأت بين طرفين فلسطيني ولبناني. وعلى رغم اصرار قسم من اللبنانيين على إطلاق عبارة “حروب الآخرين على أرضنا”، الا ان الحرب كانت أهلية بدليل استمراراها بعد خروج المسلحين الفلسطينيين من بيروت اثر الاجتياح الاسرائيلي الثاني في 1982.
الفتنة في لبنان تنام نوما خفيفا، وبدا انها لا تحتاج إلى الكثير لتستيقظ. “بوسطة عين الرمانة” قسمت المناطق جغرافيا وديموغرافيا، بحيث لم يعد قسم كبير من المسيحيين إلى الضاحية الجنوبية مثلا، بل ان غالبيتهم باعوا أملاكهم ونقلوا سجلات نفوسهم. الا ان الحسنة الوحيدة فهي تمسك غالبية من اللبنانيين برفض الفيدرالية والتقسيم ولو حتى من البوابة الادارية، ذلك ان أملاك المسيحيين تكمن في الاطراف بين الحدود الشمالية والجنوبية، ما يجعل هؤلاء خارج نطاق “الكانتون” الذي تمت المناداة به أثناء الحرب الأهلية.
لن تكون المواجهات عسكرية بالضرورة في حال اندلاع حرب اهلية، ذلك ان الضائقة المعيشية تطال الجميع دون السؤال عن الهوية الطائفية ولو من بوابة التوقيت. والثابت ان إلغاء الطائفية من النفوس غير قابل للتحقق قريبا بعدما رأينا دليلا حيا في موضوع التوقيتين.