كـأنَّ نواةَ شيءٍ ما بدأت تتشكل في رحم الواقع السياسي اللبناني.
لا معطياتٍ ملموسةً في هذا الشأن بل إشاراتٌ يعكسها حراكٌ متنامٍ على المستوييْن الداخلي والخارجي محورهُ الاستحقاق الرئاسي.
أحدثُ فصولِ هذا الحراك قـَطـَريٌّ يقوده الوزير محمد بن عبد العزيز الخليفي الذي أجرى على مدى يومين مروحة واسعة من اللقاءات مع المسوؤلين الرسميين والحزبيين والروحيين.
الموفد القطري الذي مثـّل بلاده في اللقاء الخماسي الذي عـُقد في العاصمة الفرنسية قبل شهر واحد تأتي زيارتهُ اللبنانية على إيقاع حراكٍ تقوده باريس التي استقبلت سليمان فرنجية قبل أيام.
واللافت في لقاءاته استعانـتـُهُ على قضاء حوائجه بالكتمان بحيث لم يُدلِ بأي تصريح ما خلا حضـَّه الأشقاء في لبنان على تغليب لغة الحوار والمصلحة الوطنية” وتنويهـَهُ بدور الجيش اللبناني خلال اجتماعه مع قائده العماد جوزف عون.
هذا في السياسة أما في المال والنقد والاقتصاد فاسترعى الانتباهَ هبوطـُ دولار السوق السوداء إلى ما دون المئة ألف ليرة بعدما لامس قبل أسابيع قليلة عتبة 144 ألفـًا.
هذا الأمر خفـّض دولار (صيرفة) من 90 ألفـًا إلى ثمانيةٍ وثمانين كما انسحب إنخفاضًا في أسعار المحروقات منذ السابع والعشرين من آذار الماضي وخصوصًا في اليومين الأخيرين.
خارجَ لبنان عدوانٌ إسرائيلي جديد على محيط دمشق هو الرابع خلال ستة أيام على سوريا.
هذه العداونية تأتي فيما أنطلقت في موسكو الاجتماعات الرباعية السورية – التركية – الروسية – الإيرانية للتقريب بين دمشق وأنقرة.
كما تأتي في ظل انفتاح عربي متنام على سوريا وجديدهُ إعلان تونس الاستعداد لتعيين سفير لها في دمشق.
العدوانية الإسرائيلية في فلسطين المحتلة تلقت اليوم ضربة جديدة تمثلت بعملية طعن نفذها فلسطيني في تل أبيب وأدت إلى جرح جندييْن إسرائيليين.
أبعد من المنطقة تتجه الأنظار اليوم إلى مثول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب امام المحكمة في حدث غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة.
ذلك أن ترامب هو أول رئيس سابق أو حالي يُوجَه إليه الاتهام بارتكاب جناية والمفارقة أن محاكمته تأتي على أعتاب الانتخابات الرئاسية التي يسعى إلى خوضها في العام 2024.
انه يوم قطر في لبنان، وهو لن ينتهي في يوم واحد بل سيمتد الى الغد ايضا. وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية جال على المسؤولين والقيادات لاستطلاع الاجواء. موضوع الانتخابات الرئاسية طغى على الاجتماعات، علما ان البحث لم يتطرق الى الاسماء.
فالموفد القطري لم يحاول ولم يسع الى تسويق اسم، بل حض القيادات اللبنانية على انتخاب رئيس في اسرع وقت ممكن. لكن الابرز في ما حمله الموفد القطري تأكيده ان ما من طرف خارجي مستعد لمساعدة لبنان الا اذا التزم لبنان تحقيق الاصلاحات والتنسيق مع صندوق النقد. وهذا يعني بتعبير آخر ان على الرئيس الاتي الى قصر بعبدا ان يلتزم خريطة طريق عربية ودولية، والا فان لبنان سيبقى محروما الدعم الضروري لانتشاله من الدرك الذي وصل اليه.
في المحصلة الحراك القطري يتبلور، وهو سيتبلور اكثر فاكثر في المرحلة المقبلة. علما ان تظهير صورة الرئيس العتيد قد يكون بحاجة الى اجتماع ثان بين الدول الخمس على غرار اجتماع باريس.
في الانتخابات البلدية الوضع مختلف. وزير الداخلية بسام المولوي حدد مواعيد اجراء الانتخابات التي قسمها الى اربع مراحل . كما اكد المولوي ان الوزارة جاهزة والقوائم الانتخابية حاضرة ، كاشفا انه طلب من الحكومة تأمين الاعتمادات المالية اللازمة. فهل تقوم الحكومة بواجبها على هذا الصعيد وتلتزم القوانين المرعية الاجراء، ام تخضع كالعادة لارادة الثنائي امل- حزب الله فتطير الانتخابات البلدية بألف حجة وحجة؟
توازيا ، انعقد في السراي الحكومي اجتماع للجنة الوزارية المكلفة معالجة تداعيات الازمة المالية على سير المرفق العام . ولأن المجتمعين لم يتوصلوا الى حلول لملف رواتب موظفي الدولة فقد ارتؤي استكمال البحث يوم الخميس المقبل ، ما ادى الى ترحيل جلسة مجلس الوزراء الى الاسبوع المقبل .
فالى متى ستواصل حكومة ميقاتي دفن رأسها في الرمل بتأجيل المشاكل وترحيلها ، بدلا من مواجهتها وايجاد الحلول الواقعية والعملية لها؟.
اتساعٌ لخطوطِ الصراعِ وتسعيرٌ للنارِ المشتعلةِ عندَ الحدودِ الروسية الاطلسية، معَ حصولِ فنلندا على الرقمِ واحدٍ وثلاثينَ ضمنَ حلفِ الناتو..
خرجت الدولةُ الاسكندنافيةُ عن حيادِها، ودخلت الصراعَ الذي يبدو انه يتدحرجُ باشعاعاتٍ خطرة، واولُ الردِّ الروسي على الخطوةِ الاميركيةِ الاوروبيةِ هذهِ اعلانُ موسكو انَ من حقِها فعلَ ايِّ شيءٍ لحمايةِ امنِها وانَ الطائراتِ البيلاروسيةَ باتت جاهزةً لحملِ صواريخَ نووية ..
وفيما خطوطُ الصراعِ العالمي تَلتهبُ يوماً بعدَ يوم، فانَ مؤشراتِ المنطقةِ تسيرُ على هديِ التقاربِ والتفاهماتِ المستجدةِ التي باتت ترتّبُ العلاقاتِ بينَ دولِ المنطقة..
وحدَه منطقُ بعضِ اللبنانيينَ لا يزالُ عندَ فوضى الاوهامِ ومخزونِ الاحقادِ الذي لا ينضب، وهو ما يسببُ الترنحَ الذي يتحكمُ بملفِ الانتخاباتِ الرئاسية، فيما المساعي الخارجيةُ تتكثفُ كما تُظهرُ الدعواتُ والزيارات، لا سيما الموفدُ القطريُ الذي اَكملَ جولتَه على مختلفِ الافرقاءِ اللبنانيينَ بصمتٍ مستطلعاً حولَ المساراتِ الرئاسية..
في مساراتِ اللبنانيينَ اليومية، ترنحٌ للازماتِ وتمددٌ لاضراباتِ القطاعِ العام، فيما الآمالُ التي تحكمُ اللبنانيينَ أن تتمكنَ المحاولاتُ السياسيةُ من تحقيقِ اختراقاتٍ تتركُ انعكاساتِها على الحالِ الاقتصاديةِ والمالية..
انعكاساتٌ كبيرةٌ على الساحةِ السياسيةِ الاميركيةِ يتركُها مُثولُ اولِ رئيسٍ اميركيٍّ سابقٍ امامَ القضاء، فمحاكمةُ دونالد ترامب في نيويورك محطُّ انظارِ جميعِ الاميركيينَ لما لها من تداعياتٍ قد تتركُها تحركاتُ جمهورِه الذي لا يزالُ يهتفُ لترامب رئيساً في الانتخاباتِ المقبلة، وسْطَ تخوفٍ من تحركاتٍ غيرِ منضبطةٍ لجمهورِه الذي خَبِرَهُ الاميركيونَ اثناءَ اقتحامِ مقرِّ مجلسِ النوابِ في الانتخاباتِ الرئاسيةِ السابقة..
من خارج مشهد النكد السياسي اليومي، والمناكفات التي لا تنتهي، أتت رسالة الرئيس العماد ميشال عون اليوم. فأي خلاف سياسي بين أبناء الوطن الواحد هو مرحلي، ولا يُبرّر تفلّت الخطاب وجنوحَه نحو الكراهية واستثارة الغرائز الطائفية وغير الطائفية، كما نتابع مؤخراً على وسائل التواصل، شدد الرئيس عون، قبل أن يذكّر بأن المجتمع التعددي هو مصدر غنى للبنان، قائلاً: لا تجعلوا منه مصدر ضعف وتفتّت، وتذكروا أن الحروب الداخلية مدمِّرة للجميع، وأن التشبّث بالماضي لا يبني المستقبل، وأن تشويه التاريخ لا يغيّر الحقيقة.
واعتبر الرئيس عون أنَّ من الملحّ التأكيد بأن اللامركزية الإدارية الموسعة، المنصوص عنها في وثيقة الوفاق الوطني، هي تدبير إداري لا تقسيمي، فلا يتلطّى أحد وراءها، لا للترويج لمشاريع مرفوضة، ولا لاستعمالها فزّاعة عند الحاجة، ومضيفاً: تذكروا أيضاً، ان “لبنان أكبر من يبلع وأصغر من أن يقسّم”، وأنه أرض تلاقٍ وحوار، مذكراً بحرصه على وضع أسس لأكاديمية تعلّم هذه القيم.
وختم الرئيس عون البيان الصادر عن مكتبه الإعلامي بالقول: قدركم ايها اللبنانيون هو العيش معاً كيفما تقلّبت الظروف، فابحثوا عن الطريقة الأفضل لذلك.
وبالعودة الى اليوميات السياسية، ثلاثة عناوين للمشهد المحلي اليوم:
العنوان الاول، جولة الموفد القطري، التي شملت ميرنا الشالوحي ومعراب وبنشعي، في اطار المشاورات الرئاسية المستمرة، والتي صودفت عشية لقاء بيت عنيا للنواب المسيحيين.
والعنوان الثاني، العقوبات التي اصدرتها الخزانة الاميركية على الاخوين ريمون وتيدي رحمة، وما قد يعنيه ذلك في السياسة.
أما العنوان الثالث، فالتطورات المستمرة في ملف التحقيق الفرنسي مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والذي منه نبدأ النشرة.
الخيار بيد اللبنانيين :
إما أن يكونوا في وطنٍ إسمه فيروز ، وإما أن يكونوا في مزرعة فيها دولار على سعر رسمي وسعر صيرفة وسعر سوق سوداء، وإخيرًا وليس آخرًا ، لولار .
إما أن يكونوا في وطنٍ إسمه فيروز ، وإما أن يكونوا في مزرعة فيها كهرباءُ دولة ، وكهرباء موتور وكهرباء طاقة شمسية.
إما أن يكونوا في وطنٍ إسمه فيروز ، وإما أن يكونوا في مزرعة نشَّفت سلطتُها التنفيذية بالتكافل والتضامن مع السلطة التشريعية ، أموالَ المودعين، وها هي اليوم تسطو على أموال ال SDR
إما أن يكونوا في وطن إسمه فيروز ، وإما أن يكونوا في مزرعة دستورها غب الطلب وقوانينها وجهة نظر.
إما أن يكونوا في وطن إسمه فيروز ، وإما أن يكونوا في مزرعة ، المستشفى تأكله والصيدلية تأكله والمصرف يأكله والسوبرماركت يأكله والمدارس تأكله.
إما أن يكون في وطن إسمه فيروز ، وإما أن يكون في مزرعة مكتوب على مدخلها : اهلُا بكم في هيكل الغش والفساد واللصوصية .
فيروز التي رافقتها الأجيال . ثلاثة أرباع قرن وهي تعيش بيننا ونعيش على صوتها الأسطوري : غنَّت للوطن ، غنَّت للإنسان ، غنَّت للحب والفرح والحياة ، غنَّت لبيروت ومكة والقدس ودمشق وبغداد وباريس:
ارجعي يا بيروت – غنيتُ مكةَ أهلها الصيدا – يا قدس يا مدينة الصلاة اصلي- شام يا ذا السيف- بغداد والشعراء والصور- يا دهب التاريخ يا باريس
يا لصوصَ الهيكل ، هل تستحقون وطنًا وُلدَت فيه فيروز وغنَّت فيه فيروز ؟ هل ” إلكن عين ” تصرِّحون بكلمات ، فيما كلمات فيروز من عاصي ومنصور وزياد ، وجبران خليل جبران من سعيد عقل وطلال حيدر وجوزيف حرب والأخطل الصغير ونزار قباني وميشال طراد وزكي ناصيف وآخرين ؟
للمواطن نقول: الخيار بين يديك في ان تكون في وطن ِ فيروز أو في المزرعة : الكلفة ورقة في صندوق الاقتراع، وما لم تفعل ستكون في المزرعة بملء وعيِك .
بعيدًا بالتأكيد من فيروز ، ماذا في تطورات اليوم؟
الوفد القطري واصل جولته على المسؤولين اللبنانيين.
الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على الاخوين ريمون وتيدي رحمة .
أما البداية فمن سؤال : أين ذهبت أموال SDR ؟ هل التحقت بأموال المودعين ؟
ما أهمله القضاء اللبناني منذ سنوات، صدرت أحكامه على شكل عقوبات عبر الخزانة الأميركية والفيول المغشوش الذي لم يعرف له قرار ومسببون ومذكرات توقيف في التخابر المحلي.. عالجه الأوفاك الأميركي فأدرج الأخوان ريمون وتيدي رحمة على لائحة العقوبات لاستخدامهما الثروة والسلطة والنفوذ في ممارسات فاسدة والقرار استند الى واقعة الفيول المغشوش، ليبني ملفا تسببت أفعاله بانهيار سيادة القانون.. حيث أثرى الشقيقان نفسيهما على حساب شعب لبناني يواجه ضائقة اقتصادية خانقة وأزمة طاقة خطرة، وخللا سياسيا غير مسبوق وفي قرار الخزانة أن ريمون وتيدي رحمة استخدما الشركات المملوكة لهما في لبنان وخارجه للفوز بعقود حكومية متعددة، وبمناقصة عامة مبهمة للغاية وحصلا عام الفين وسبعة عشر على عقد من الباطن لاستيراد الوقود واستخدامه في عملية فاسدة تسببت بضرر كبير لمحطات توليد الطاقة.. وقاما عبر شركة ZR في الإمارات بمزج الوقود مع أنواع أخرى سببت عملية غش كبيرة ومع توزع شركات رحمة إخوان في العالم.. فإن العقوبات جرى سريانها في كل من الإمارات وسويسرا وأرفق قرار الخزانة اكثر من اشارة الى نفوذ الاخوين رحمة وشبكة علاقتهما داخل السلطة، وأنهما استعملا هذا النفوذ لتمرير الصفقات وعلى هذا الربط الداخلي فإن للأخوين علاقات.. بلا رحمة، مع شبكة متناقضة من جبهة الأركان السياسية وهما الأخوان اللذان جمعا من الموارنة ما لن تتمكن بكركي من جمعه غدا في صلاة “الرحمة” على الرئاسة فتيدي وريمون يحتفظان بخطوط وصل مع كل من سليمان فرنجية وسمير جعجع وجبران باسيل.. ثلاثة في خندق صفقات ومهرجانات ومحروقات واحد، لكن مزيج البرنت الرئاسي لا تتفق معاييره وصفقات التراضي الرائجة في ملف النفط والقادة الموارنة من الصف الاول، شركاء رحمة أو أصدقاؤه، مدعوون غدا إلى أربعاء بيت عنيا للصلاة والتأمل الرئاسي.. وسيضعهم البطريرك الراعي في مواجهة الرب.. فإما أن يرتعدوا، وإما يتأكد بالصلاة الجامعة أنهم جماعة “ما بيخافوا الله” لكن المصلين غدا في الدير والذين يرفعون الصلاة في اماكن العبادة الاخرى، ينتظرون نتائج صلاة الاستسقاء العربية الايرانية، والسعودية السورية وبعض لقاءات الشهر الفضيل أو ما يليه سيؤسس لاستقرار ينعكس أولا على اليمن وقد مهد مجلس التعاون الخليجي اليوم لهذه الاجواء عبر اعتباره أن الظروف مؤاتية لمحادثات في اليمن وترجح المعلومات أن لقاء وزيري خارجية إيران والسعودية سيشهد على إعلان لوقف اطلاق النار في هذا البلد ومع الانتقال من حسم ملف اليمن، قد يشهد لبنان على أول بوادر الحل السياسي، والذي سيترافق وقرب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.