فيدرالية الساعة في شهر الطاعة!

/ فاطمة جمعة /

التعددية من مزايا لبنان التي نشأت عليها تركيبته الاجماعية، كالتعددية بالطوائف والتعددية بالأديان وبالأحزاب. اما ما نعيشه اليوم، فهو إفراط بتعددية تحولت من نعمة إلى نقمة، حيث تجذرت الطائفية بالطوائف، واتخذت منحىً مخيف وبعيد عن مفهوم المواطنة، وغير تعددية سعر صرف الدولار، وتعددية أسعار السلع الاستهلاكية، كانت المفاجأة الأخيرة، تعددية بالتوقيت الزمني الذي يعتمده لبنان، و”تقسيم” للساعة بين توقيت مسلم وآخر مسيحي.

بعد قرار رئاسة مجلس الوزراء أمس الأول، بعدم تقديم الساعة حتى انتهاء شهر رمضان، انهالت الانتقادات والاعتراضات من مختلف شرائح المجتمع، كان روادها قادة الأقطاب المسيحية، وتزاحمت القوى السياسية والمراجع الروحية المسيحية وبعض وسائل الإعلام، على تسجيل المواقف والاستنكار للخطوة، على أنها تأخذ بطياتها أبعاداً طائفية، وتصب في فرضية “أسلمة لبنان”.

من بكركي، كان العتب على الحكومة بعدم “التشاور مع سائر المكوّنات اللبنانيّة، ومن دون أيّ اعتبار للمعايير الدوليّة، وللبلبلة والأضرار في الداخل والخارج”، ما دفع المكتب الإعلاميّ في الصرح البطريركي لإعلان الالتزام بتقديم الساعة ساعة واحدة منتصف ليلة السبت – الاحد 25-26 آذار 2023.

وكان أّكّد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر أنّ “المؤسسات التربوية الخاصة واتحاد مؤسسات المدارس الخاصة ملتزمة بقرار مجلس الوزراء حتى صدور أي قرار معاكس”، قبل أن تعلن الامانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة التزامها قرار بكركي واعتماد التوقيت الصيفي العالمي للبنان.

سياسياً، كان للنائب جبران باسيل حصة الأسد على ساحة الخلاف، فقد فجّر التيار الوطني الحر “رأس” الساعة، بتجهيز طعن سيقدمه نواب أو وزراء لمجلس شورى الدولة، لإبطال القرار بما يخص التوقيت الصيفي.

وكانت “حماسة” باسيل عبر تغريدته في “تويتر”، التي شدد فيها على أن “قصة الساعة ما بتنقبل ومعبّرة كتير بمعانيها … ما بيجوز السكوت عنها”، الأمر الذي ألحق موجة من التعليقات الداعمة، وأخرى سخرية من مؤيدي التوقيت الشتوي.

بدوره، دعا النائب سامي الجميل، مجلس الوزراء “للرجوع عن قرار تأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي لهذا العام، لما لذلك من تبعات سلبية على الشركات والأفراد وعملهم وحركة الملاحة والسفر والتجارة، وموجبات عمل الشركات والقطاعات، كالأعمال الحاسوبية والأنظمة الإدارية المرتبطة بالخارج”.

ولأن المؤسسات الإعلامية ليست بمنأى عن التيارات السياسية، انقسمت وسائل الإعلام بين مؤيد للتوقيت الشتوي، وبين من اعتمد السير بالتوقيت العالمي ومخالفة القرار الحكومي. كانت محطة LBCI السباقة بإعلان تقديم الساعة وعدم الالتزام بتوقيت لبنان، معللةً أن “لبنان ليس جزيرة معزولة، وهو مرتبط بنظام مبني على ساعة عالمية لتتبع الوقت وللتأكد من ان البشرية كلها قادرة على  التواصل والعمل بطريقة متزامنة”. وانضمت إليها الـ MTV لتتبنى توقيت بكركي، على قاعدة “مش ساعة يلي بدكن”، ومن ثم لحقت بهما كل من محطتي الـ OTV والجديد.

بالمقابل، أعلنت شركة “طيران الشرق الأوسط – الخطوط الجوية اللبنانية”، تقديم مواعيد إقلاع كل الرحلات المغادرة من مطار بيروت الدولي ساعة واحدة، عطفاً على القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بتأجيل بدء العمل بالتوقيت الصيفي استثنائياً هذا العام.

كما بدأت شركتا الخلوي ألفا وتاتش التحضير لتنفيذ القرار، وأرسلتا الى هواتف العديد من المواطنين، رسالة جاء فيها: “عزيزي المشترك، عملا بقرار مجلس الوزراء المتعلق بتأجيل تطبيق الدوام الصيفي، يرجى تعديل اعدادات الساعة في هاتفك الخليوي من اوتوماتيكي الى يدوي لتجنب تغير الوقت في شاشة الهاتف”.

بالنتيجة، انقسم لبنان الى توقيتين، لكن “الفوهة” التي أثارتها جهات لبنانية وبالغت بها، لا يمكن إلا أن تؤشر لتساؤلات، حول حدة الأطماع التقسيمية للبنان، ومدى استغلال هذه الجهات للخطوة “الطبيعية ـ المتسرعة”، وكأنها تنتظر اللحظة منذ مدة، لفدرلة الساعة في شهر الطاعة.