إيراني من أسرة عربيّة.. يحرّك إعصاراً برذاذ أبيض!

/ جورج علم /

عندما تطأ قدما الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أرض الرياض، يفترض أن يصطحب معه ضمانتين: لا سلاح نووي، ولا دعم للميليشيات. ويتطلّب حسن الجوار قدراً كبيراً من الشجاعة والتضحية لتدوير الزوايا الحادة، كي لا تبقى مروّسة.

أن يوجّه الملك سلمان بن عبد العزيز الدعوة، وأن يتلقّفها الرئيس رئيسي بحرارة، فهذا يعني أن الإتفاق الثنائي الذي رعته الصين، ليس لمرحلة، بل للتاريخ، بحيث يصار الإحتساب لما قبله، ولما بعده. و”نترك للأيام أن تحتسب الإنجازات التي ستبنى عليه”، كما تقول صحيفة “عكاظ” السعودية.

وما يبنى عليه، هو “الحراك” الذي يقوده “الرحّالة” علي شمخاني، متنقلاً، ما بين العواصم العربيّة من أبو ظبي، ودبي، إلى بغداد… واصفاً الإتفاق، بـ”الشرفة المطلّة على الخليج، للتفاهم، والتعاون على بناء مستقبل الإستقرار، والإزدهار”.

لم يعد الرجل إسماً، بل عنواناً لمشروع يتصدّر مانشيتات الصحف، ونشرات الأخبار، ويحتلّ أعمدة في الصحف، والمجلات، ويحرّك مواقع التواصل الإجتماعي، ويشغل مراكز الأبحاث والدراسات، ويثير حفيظة صنّاع القرار.

ظهر في بكين مفاوضاً بإسم الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. ووقّع على إتفاق ينهي 40 عاماً من القطيعة مع المملكة العربيّة السعوديّة، وقبل أن يجفّ الحبر، ظهر في دولة الإمارات العربيّة المتحدة إلى جانب الرئيس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد  “لفتح صفحة جديدة، من عناوينها تفعيل الطاقات المحليّة، ووضع حدّ للتدخلات الخارجيّة، وإنهاء الكثير من الأزمات الراهنة”.

وانتقل من دولة الإمارات ليحطّ في العراق، ويجري محادثات مع رئيس الجمهوريّة عبد اللطيف جمال رشيد، ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان محمد الحبلوسي، ومستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني. ويشارك في “حوار بغداد الدولي” إلى جانب كبار المسؤولين الأمنيّين في كلّ من السعوديّة، وقطر، والإمارات، وتركيا، وسوريا، وإيران.

متى المحطة التالية، وأين؟

الجواب على الطريق. والفضول الإعلامي الغربي نهم لمعرفة خلفيات وأبعاد ما يقوم به شمخاني، هل هو توزيع أدوار؟ هل هو مسار انقلاب في المعايير والحسابات الإيرانيّة الداخليّة؟ هل من مواسم جديدة واعدة بالخير؟

الرجل، كشخص: من أسرة عربيّة، من مدينة الأهواز، من محافظة خوزستان. سياسي وعسكري، يحسب على المحافظين، وصاحب توجهات إصلاحيّة، ويحتفظ بالولاء للمرشد، ساهم في تأسيس الحرس الثوري، وكان أول قائد له في إقليم خوزستان، ثم وزيراً لقواته في عهد حكومة مير حسين موسوي، ووزيراً للدفاع في عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، قبل أن يستقرّ على رأس هرميّة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

الرجل، كظاهرة، يقود انقلاباً في سياسة إيران الخارجيّة، يهدف إلى “تصفير الأزمات” مع دول مجلس التعاون الخليجي، ودول منظمة المؤتمر الإسلامي، والدول العربيّة. اختاره المرشد الأعلى، كونه رجل المهمات الصعبة. كلّفه بإعادة بناء جسور الثقة مع الجوار، وفتح صفحة جديدة من التنسيق والتعاون. المهمّة ليست سهلة. مصداقيّة الرجل من مصداقيّة النظام، ومصداقيّة النظام أمام الإمتحان الذي يخوضه الرجل على رأس فريق من الإحترافيّين المتخصصّين.

ترك دوره تساؤلات؟ هل من إزدواجيّة في المعايير والمقاربات؟ ولماذا شمخاني، وليس وزير الخارجيّة حسين أمير عبد اللهيان؟

سارع الأخير الى الردّ بتغريدة: “التنسيق في السياسة الخارجيّة قائم، وكل شيء يتمّ بنظام، وتحت إشراف رئيس الجمهوريّة”. ووجّه كلامه إلى “الأعداء” قائلا: “فليعرفوا أنه لا يوجد خلاف”.

ونشرت وكالة “إرنا” الرسميّة مقالاً للمتحدث بإسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني، يشيد بالإتفاق الثنائي “كونه يشكّل القوة الدافعة لتحقيق الإستقرار الإقليمي، ما يصبّ في مصلحة المنطقة بأسرها”. وأمل “في أن يحقق الإتفاق مستقبل غرب آسيا، ومنطقة الخليج بموقعهما الجيوسياسي البالغ الأهميّة، من حيث موارد الطاقة الغنيّة، والثروة الطبيعيّة، والموارد الماليّة الوفيرة، إزدهار الشعوب”.

وقال: “إن استمرار المشكلات والصراعات بين دول الجوار، وتحويلها إلى أزمات، لم يخدم سوى مصالح الدول الخارجيّة، وحان الوقت لحلّها، لما فيه من مصلحة لدول المنطقة، عن طريق الحوار، والإحترام المتبادل، وحسن الجوار”.

رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد أبدى الإستعداد للتجاوب مع كل ما من شأنه أن يقرّب المسافات، ويوطد العلاقات، مع الإستعداد لإعادة التمثيل الدبلوماسي، وفتح السفارات.

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، شدّد على الإستقرار في العلاقات، وضبط أمن الحدود، وإبرام إتفاقيّة أمنيّة تأخذ كل الهواجس بعين الإعتبار.

بقي أن مهلة الشهرين قد بدأت للوصول إلى مرحلة تبادل السفراء ما بين الرياض وطهران. يعني أن مهلة إمتحان الثقة قد بدأت، ويفترض أن تكون مكتنزة بالتحولات، والمتغييّرات، والإنجازات، وهذا ما يسعى إليه رئيس الوفد الإيراني المفاوض علي شمخاني الذي يخوض تجربتين: إكتساب ثقة الآخرين بصدقه، ومصداقيته. وإكتساب الثقة بالدور الذي يقوده، ليؤكد على أنه جدّي، وهادف، وليس ظرفيّاً، متقلّباً.

متى محطته في بيروت؟

الجواب الرسمي: إن المسؤولين يتابعون الحراك، ووزارة الخارجيّة والمغتربين “تشغّل آنتيناتها” في الداخل والخارج لرصد المستجدات. وما يجري يوازي إعصاراً في المنطقة، لكن برذاذ أبيض، والعلاقة بين لبنان وإيران هي في موقع “التفهّم والتفاهم”.

الجواب السياسي: سواء حلّ شمخاني في بيروت، أم تأخر قطاره لبلوغ المحطة، فإن الرسائل تُقرأ عناوينها في الضاحية، فإذا كان هناك من جديد يتعلّق بالإستحقاقات الداخليّة، أو من تحوّل في المواقف والتوجهات، فالدخان الأبيض لا بدّ من أن يتصاعد من مدخنة حارة حريك، عاجلاً أم آجلاً، وسواء تمّت الزيارة، أم استعيض عنها بالحمام الزاجل!