“عقدة” الرئاسة عند المسيحيين: لماذا يتقاتلون على منصب بصلاحيات تعطيلية؟

/ غاصب المختار /

جاءت دعوة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، النواب المسيحيين، إلى “يوم خلوة روحيّة وصلاة”، يوم الأربعاء في 5 نيسان في حريصا، تاكيداً لما تعتقده بكركي، وسواها من مرجعيات روحية وسياسية، أن عقدة الرئاسة الاولى انما هي مسيحية ـ مسيحية، وان فك هذه العقدة لا يتم إلّا بفك عُقد “الاسترءاس” التي تولّدُ خلافات وانقسامات بين القوى السياسية المسيحية، وليس برمي كرة تعطيل الانتخاب على الأطراف الاخرى والشركاء في الوطن من طوائف اخرى.

ثمة يقين بات عند كل الاطراف، ومنها بكركي، أن الخارج لن يضغط بقوة لانتخاب رئيس للجمهورية، بدليل فشل كل محاولات الدول الصديقة المعنية بالوضع اللبناني في ابتداع مسار مقبول من كل الاطراف الداخلية، او معظمها، عدا عن رفض العديد من الأطراف اللبنانية أي ضغط أو فرض خيارات رئاسية معينة.

لذلك انتهى الاجتماع الفرنسي السعودي، الذي انعقد في باريس، يوم الجمعة الماضي، وضم عن المملكة كلًا من المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير السعودي في بيروت وليد البخاري، وعن فرنسا مستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأدنى باتريك دوريل، ولم يتوصل الاجتماع لأي نتيجة، بما يتعلق بالملف الرئاسي اللبناني، الذي كان الحاضر الأبرز على طاولة النقاشات بين الطرفين.، ولم يصدر عنه أي بيان أو موقف أو تصريح.

وثمة ثابتة أيضاً اصبحت واضحة، مفادها أن رئيسي القوتين الرئيسيتين المسيحيتين، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، جبران باسيل وسمير جعجع، خارج السباق الرئاسي منذ مدة طويلة، وهما يدركان منذ مدة طويلة أن لاحظوظ لكليهما، لكنهما تحولا إلى ناخبين كبيرين للرئيس، ولا يمر الاستحقاق من دون موافقتهما ويأتي لاحقاً موقف باقي القوى المسيحية، ثم القوى الأخرى غير المسيحية.

من هذا المنطلق، يتركز المسعى من بكركي، وحتى من الرئيس نبيه بري، على تحقيق توافق او تقارب مسيحي ـ مسيحي أولاً، لفك العقدة المسيحية، وعدم رمي المسؤوليات على الآخرين بحجج تعطيل النصاب أو محاولة فرض مرشح معين، أو وضع شروط ومعايير يعرف الجميع أنها غير متوافرة كلها في مرشح واحد، ولا تلقى قبولاً من أطراف كثيرين، بينما يعتبرها البعض مجرد شعارات لا تقدم ولا تؤخر في السباق الانتخابي.

وهناك أمر آخر يستدعي التوقف عنده. لماذا هذا الاقتتال المسيحي على منصب بلا صلاحيات تنفيذية لا يستطيع من يتولاه، إلّا في حالات قليلة، أن يفرض ما يريد؟

هناك رأي قانوني وسياسي يقول: إن الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، بموجب دستور الطائف، هي صلاحيات “سلبية”، بمعنى انها صلاحيات تعطيل لا تنفيذ، بحيث يستطيع رئيس الجمهورية مثلاً تعطيل جلسات مجلس الوزراء إن حضرها، ويعطل صدور المراسيم بعدم توقيعها، ويرد القوانين إلى المجلس النيابي الذي يستطيع التمسك بها في جلسة تشريعية ثانية… بينما لا يستطيع أن يفرض ما يريده على مجلس الوزراء سوى بالتوافق أو التصويت بالثلثين إذا ملكهما الرئيس، والتجارب ماثلة منذ بدء تطبيق اتفاق الطائف ودستوره، من عهود الرؤساء الياس الهراوي وآميل لحود وميشال سليمان وميشال عون.