فوجئ الصحافيون والمواطنون المتجمهرون حول المدخل الرئيسي لقصر العدل، بانتظار وصول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بورود معلومات إنه بات داخل “العدلية”، ولم يتمكنوا من معرفة المدخل الذي دخل منه، إذ لم يستطع أحد رصده أثناء دخوله المبنى.
وبالتالي من الممكن أن يكون سلامة وصل إلى العدلية ضمن سيارة مموهة أو آلية أمنية، وذلك على عكس دخول القضاة اللبنانيين والأوروبيين الذي كان من البوابة الرئيسية.
وللمرة الأولى يمثل سلامة أمام القضاء، خلال 30 عاماً من توليه منصب حاكم مصرف لبنان منذ 1993 كأحد أطول حكام المصارف المركزية عهداً في العالم، بعد أن حاصرته عشرات الدعاوى أمام القضاء اللبناني و5 دول أوروبية بتهم إرتكاب جرائم فساد مالي، منها الرشوة وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي، كذلك شبهات حول تورطه في مساعدة ساسة وزعماء طوائف لبنانيين على تهريب أموالهم إلى الخارج مع بداية الإنهيار الاقتصادي.
وفي تفاصيل مثول سلامة أمام محققين أوروبيين يجرون تحقيقات بتبييض أموال عبر عدد من المصارف الأوروبية، يروي مصدر قضائي في محكمة التمييز تفاصيل اليوم القضائي الطويل، والذي بدأ بدخول سلامة صباح الخميس إلى القاعة المخصصة لمجلس شورى الدولة في الطابق الخامس بمبنى قصر العدل.
ويشير إلى أن سلامة جلس على طاولته على بعد مترين من الطاولة التي توسطها كل من قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا والقاضية الفرنسية أود بوروسي وإلى جانبها محقق ألماني وآخر من بلجيكا، إضافة إلى رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيليلانة إسكندر ممثلة الدولة اللبنانية المدعية في ملف سلامة، وحضر معها ثلاثة قضاة من الهيئة كمعاونين، في حين لم يحضر وكيله القانوني الفرنسي الجنسية المحامي بيار أوليفييه سور الذي استحصل على إذن دخول من نقابة المحامين في بيروت.
وكشف أن جلسة الإستماع إستمرت لمدة 6 ساعات تخللها عدة إستراحات، وتضمنت 96 سؤالاً وجهها القاضي أبو سمرا لسلامة كمستمع إليه وليس كمتهم، نيابة عن القضاة الأوروبيين وكانت بمعظمها محصورة بشركة “فوري أسوشييتس” وتاريخ نشأتها وتأسيسها وعلاقتها بمصرف لبنان.
وأكد أن سلامة كان متماسكاً وأجاب بهدوء على جميع الأسئلة وقدم شرحاً مستفيضاً ودحض كل الشبهات التي تتهمه بغسل الأموال، لافتاً إلى أنه طُلب من سلامة الإجابة بـ “نعم” أو “كلا”، على حوالى 30 سؤالاً من بين الأسئلة التي طرحت عليه، لكنه بالرغم من ذلك طلب التوسع والشرح على بعضها.
وأضاف أنه خلال الجلسة لم يحدث أي إحتكاك أو تواصل مباشر بين القضاة الأوروبيين وسلامة، إذ كانت كل الأسئلة والإجابات باللغة العربية عبر القاضي أبو سمرا فقط، وجرت ترجمتها إلى اللغات الفرنسية والألمانية والبلجيكية، موضحاً أن القاضية الفرنسية عقدت الثلاثاء اجتماعاً تنسيقياً مع القاضي أبو سمرا لتنظيم جلسة الاستجواب وآلية طرح الأسئلة.
وفي إشارة إلى الهدوء والتعاون الذي ساد خلال ساعات التحقيق الطويلة، كشف أن سلامة طلب عدة استراحات وفق القانون الذي يتيح إستراحة لمدة 10 دقائق بعد كل ساعة من التحقيق، تخللها إدخال حلوى و”سيجار” إلى داخل القاعة.
يذكر أن سلامة تغيب عن جلسة كانت مقررة الأربعاء بذريعة عدم حصوله على جواب حول مذكرة تقدم بها وإعتبر فيها أن “حضور قضاة دوليين إلى لبنان والتحقيق معه بملفات مالية يتعارض مع السيادة الوطنية”، لكن القضاء اللبناني رفض مضمون المذكرة، بإعتبار أن القضاء ينفذ استنابة قضائية أوروبية بموجب المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد التي وقع عليها لبنان.
ووفق المعلومات فإن القاضية الفرنسية أود بوروسي تغادر لبنان السبت بعد إستكمال جولة إستماع ثانية الجمعة لسلامة تتضمن حوالى 90 سؤالاً تتركز حول مصادر ثروته الشخصية وتحويلات مالية عبر حسابات شخصية أو عائلية.
وتركز التحقيقات الأوروبية على العلاقة بين مصرف لبنان وشركة “فوري أسوشييتس” المسجلة في الجزر العذراء ولها مكتب في بيروت والمستفيد الإقتصادي منها رجا سلامة.
ويشكك المحققون بدور لعبته الشركة لشراء سندات خزينة و”يوروبوند” من مصرف لبنان عبر تلقي عمولة اكتتاب تم تحويلها إلى حسابات رجا سلامة في الخارج.
وكانت صحيفة “زونتاغس تسايتونغ” السويسرية أشارت الشهر الماضي إلى أن سلامة متهم بإختلاس مبلغ يتراوح بين 300 و500 مليون دولار قد أودعهم بحسابات في 12 مصرفاً سويسرياً.
وترافق التحقيق مع إنتشار عدد من الشائعات تحدثت عن إستقالة سلامة من منصبه، إضافة إلى أخبار تفيد بإمكانية أصدار مذكرة توقيف بحقه خلال خضوعه للتحقيق، الأمر الذي نفاه مصدر مسؤول في المصرف المركزي، مؤكداً أن ما يتم تداوله عن أن سلامة قدم كتاب إستقالته إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي غير صحيح وهو في إطار التشويش والإستغلال الإعلامي للتحقيقات.
وأكد أن سلامة باقٍ في منصبه حتى إنتهاء ولايته في شهر تموز المقبل، مشدداً أنه سيرفض أي عرض لتمديد ولايته، وأن قضية تعيين بديلاً عنه مرتبط بالحكومة اللبنانية.
وكانت إحدى الصحف أعلنت أن “الحاكم سلامة أودع ميقاتي كتاب الإستقالة ممهوراً بتوقيعه لكن من دون تحديد التاريخ، بانتظار أن تحين اللحظة المناسبة للإعلان عنها في ضوء المستجدات القضائية”.
وبموازاة الدعاوى الأوروبية، تقدمت الدولة اللبنانية ممثلة برئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، بادعاء شخصي بحق حاكم مصرف وشقيقه رجا ومساعدته ماريان الحويك وكل من يظهره التحقيق، وذلك تبعاً لادعاء النيابة العامة الاستئنافية في بيروت بموجب ورقة الطلب المقدمة إلى القاضي شربل أبو سمرا، بجرائم الرشوة والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي وطلبت توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرف بها حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية.
وأوضحت القاضية إسكندر في حديث صحفي أن الادعاء على سلامة لا علاقة له بالاستنابة القضائية الأوروبية، لافتة إلى أنه عندما تنتهي جلسات الإستماع إليه من قبل المحققين الأوروبيين، يُحدد قاضي التحقيق موعداً لجلسة الإستماع إليه في قضية الإدعاء عليه من قبل النيابة العامة التمييزية.
ولفتت إلى أن النيابة العامة التمييزية أجرت تحقيقات بواسطة المحامي العام التمييزي القاضي جان طنوس بشأن حاكم مصرف لبنان وشقيقه ومساعدته، وفي ختامها رفعت تقريراً طلبت فيه الإدعاء عليهم، وبما أن الدولة اللبنانية متضررة من جرائم الرشوة والتزوير واستعمال المزور وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرب الضريبي التي وردت في الأدعاء طلبت الحجز على أموالهم وممتلكاتهم إلى حين صدور القرار الظني.
كما أشارت القاضية إسكندر إلى “أنها ستتطلع على ملف التحقيقات الأوروبية بشأن سلامة كي تستفيد منه في قضية الإدعاء عليه باسم الدولة اللبنانية ضده”.
وأكدت “أنها تقوم بواجباتها كقاضية، أما كف يد حاكم مصرف لبنان عن العمل إلى حين إنتهاء التحقيقات فيعود إلى الحكومة”.