/ رندلى جبور /
كل شيء في لبنان مسيّس. مسيّسون حتى العظم. إستنسابيون في تعاطينا مع كل شيء، مع الدستور والميثاقية، مع القضاء والقانون، مع الاقتصاد والارقام، وحتى مع الأدب والشعر والرواية والأغنية. مع المصلحة العامة نحن استنسابيون لكثرة تسييسنا وتطييفنا.
الوجع المالي عام، الفساد حقيقة، الفاسدون معروفون، ومع ذلك نتعاطى مع هذه المسائل “بإيد وإجر”.
يأتي من يطرح علينا الاقتصاد المنتج بدلاً من الريعي، فنسأل من هو صاحب الطرح ولا نفكر بالطرح بذاته ولو كان فيه إنقاذنا.
يأتي من يضع اقتراحات قوانين إصلاحية، فلا تجد لها هاتفاً أو مؤيداً من بيئة أخرى.
يأتي من ينادي بالتدقيق الجنائي، فلا نسأل عن نتائجه بل عن من سيطال.
يأتي من يقول لنا سنعيد أموالكم، فنتحوّل فجأة إلى غير مهتمين بأموالنا الضائعة والمسروقة، بل نهتم فقط بـ “هل نحن نؤيّد من سيعيدها لنا أو لا”.
أتت قاضية اسمها غادة عون، فتحت ملفات جرائم مالية، ظهرت حقائق أمامنا، تحرّك أيضاً القضاء الاوروبي، دلّ على المجرم المالي بالوثائق.
انتفض كثيرون على القاضية، لا على السارق! في أي بلد نحن نعيش؟!
ربما اسم عائلتها لم يعجبهم، أو حتى تسريحة شعرها، علّقوا على التفاهات بدلاً من أن يدعموها لنصل معاً الى الجوهر الذي يعنينا جميعاً.
توقفوا عند القاضية لا عند الملف، حكموا عليها بدلاً من أن ينتظروا الحكم الذي يمكن أن يكون خلاصهم. التفّوا إلى جانب المنظومة بدلاً من أن يطالبوا بمحاسبتها.
سألوا لماذا فتحت فقط ملف رياض سلامة، مع أنها فتحت ملفات كثيرة، ولم يسألوا لماذا لم يفتح غيرها هذا الملف، أو حتى لماذا لم يفتحوا ملفات أخرى في هذه الدولة الغاطسة بالفساد.
رجموها بدلاً من أن يرجموا المجرم.
نحن نتحرر فقط عندما ننظر إلى القاضية عون، ومَن مثلها، ببعدها القضائي والإصلاحي.
نحن نذهب إلى الخلاص إذا تخلصنا من حكمنا على الأشخاص، وانتقلنا إلى التعامل معهم بما فعلوه، لا بانتمائهم السياسي أو الطائفي أو المناطقي.
الخير خير من أي جهة أتى، والشر شر من أي جهة أتى.
سائِلوا غيرها لماذا لم يفعل ولا تُسائِلوها هي لماذا فعلت، وعندها نصبح على السكة الصحيحة في مكافحة الفساد.
المعركة حامية، فاختاروا جبهتكم بوعي وضمير.
اختاروا مكانكم وفق مصلحتكم العليا!