الشخص ليس الموقع.. وانتقاده ليس حراماً!

رأي

/ رندلى جبور /

درجت العادة في لبنان أن “تقوم القيامة” كلّما انتقد أحدهم شخصاً يشغل موقعاً معيناً.

فلنكسر التابوهات غير المنطقية قليلاً. الإنسان إنسان، كائناً ما كان موقعه، وهو بالتالي غير منزّه عن ارتكاب الأخطاء، أو حتى الخطايا.

إذا كان الإنسان رجل دين فهذا لا يعني أنه الإله، وإذا كان مسؤولاً سياسياً فهذا لا يعطيه حصانة أبدية، وإذا كان رجلاً عسكرياً فهذا لا يُلبسه حكماً ثوب القداسة.

عندنا، إذا انتقد أحدهم حاكم مصرف لبنان تنتفض غيرة الدين عند الموارنة، مع أن الموارنة مثل غيرهم مصابون بحمّى الدولار ووجع سعر الصرف وضياع جنى عمرهم.

وإذا سأل أحدهم رئيس مجلس النواب عمّا فعل طيلة عقود من وجوده على رأس السلطة التشريعية، يقفز الشيعة ليدافعوا عنه، مع أنهم محرومون من القوانين ككل الآخرين، ومع أن هذه المنظومة التي يشكل رئيس المجلس ركناً من أركانها لم تؤمّن لأحد حياة طبيعية، وكلنا ندفع ثمن ارتكاباتها.

وإذا وجّه أحدهم كلمة لرئيس مجلس الوزراء، يفور دمّ مؤيديه وكأنه ناسك في محبسة، ولو كانت محبسته من ملايين، ومن ملفات.

ولو تجرأ أحدهم على انتقاد أداء قائد الجيش الذي يمكن تعداد إرهاصاته منذ بداية 17 تشرين، يرجمونه بالحجارة ويتهمونه بأنه ضد المؤسسة العسكرية برمّتها.

لا يا سادة، إن انتقاد شخص ليس ضرباً لمؤسسة ولا صفعة لطائفة ولا طعناً بفريق. وفقط عندما تسقط هذه العقليات وهذه الحمايات، يمكننا الحديث عن استقامة بلد. فإذا المسيحي غطّى المسيحي السيء فقط لانتمائه الطائفي، وإذا المسلم غطّى المسلم السيء فقط لرابط الدين بينهم، سنبقى غارقين في اللا محاسبة وفي اللا محاربة الفساد، ولن نتمكن يوماً من الإصلاح، أو حتى من الإشارة بالاصبع إلى من يرتكب بحقنا. وعندها لن نأخذ يوماً حقنا، ولن نحاسب فاسداً، ولن نكشف حقيقة جريمة، وسيبقى الشعب يدفع الثمن.

وما المشكلة حتى في اتخاذ موقف سياسي مخالف لرجل دين من نفس ديننا؟ هل نكون كفرنا؟ أو ما العيب في عدم احترام قاضٍ لأنه لم يحترم سلطته أصلاً؟ أو ما الضير في التعبير عن الامتعاض من رجل أمن تعامل بإيد وإجر مع المواطنين وفق أهوائه السياسية؟

طالما نحن لا نتهم جزافاً ولا نتعرّض بالشخصي غير الاخلاقي ولا نتخطى الاصول أو اللياقات، ولا نذهب إلى حدّ اختلاق الفوضى أو الأذية العامة، فحريتنا محفوظة شرط أن تكون مسؤولة.

رجل الدين ليس هو الكنيسة أو الجامع، ورئيس مؤسسة ليس المؤسسة، وقائد الجيش ليس الجيش، والقاضي ليس النص، وحتى النص غير منزل.

كم من مرة كفّرونا فقط لاختلاف في الرأي، سبعون مرة سبع مرات ويستمرون.