/ جورج علم /
نفت السلطات اللبنانيّة، الخميس 8 كانون الأول الماضي، إخباراً عن نقل طيران “معراج” الإيراني أسلحة إلى “حزب الله” عبر مطار رفيق الحريري الدولي.
جاء ذلك في مؤتمر صحفي، بمطار الحريري، ضمّ وزير الداخليّة بسام مولوي، ومدير عام الطيران المدني فادي الحسن.
وكانت وسائل إعلام عربيّة تحدثت عن أن شركة طيران “معراج” الإيرانيّة المرتبطة بـ”الحرس الثوري” تسيّر رحلات إلى مطار بيروت، وأنها تنقل أسلحة، ومعدّات حسّاسة لـ”حزب الله”.
بعد مرور شهر، يصل إلى مطار رفيق الحريري الدولي، وزير خارجيّة إيران حسين أمير عبد اللهيان في زيارة رسميّة، بناء على دعوة من نظيره اللبناني عبدالله بو حبيب. وتشاء الصدف أن تتزامن الزيارة مع:
- وصول نسخة إلى الخارجيّة اللبنانية عن البيان الرسمي السعودي ـ المصري المشترك، “حيث شدّد وزيرا خارجية كلّ من السعوديّة ومصر على رفضهما أية محاولات لأطراف إقليميّة التدخل في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة، أو تهديد استقرارها، سواء عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو أدوات الإرهاب”.
وأكد البيان “على أهميّة أمن لبنان واستقراره”، ودعا القوى السياسيّة “لتحمّل مسؤولياتها لتحقيق المصلحة الوطنيّة، والإسراع في إنهاء الفراغ الرئاسي، وإستكمال الإستحقاقات الدستوريّة ذات المصلحة”.
- تتزامن الزيارة مع بدء وفد قضائي أوروبي عمله في بيروت للتحقيق في ملفات الفساد، وتهريب الأموال، وتبييضها، وإستدعاء مسؤولين كبار في الهرم المالي اللبناني للإدلاء بإفاداتهم، ومحاولة نفض الغبار عن ملف إنفجار مرفأ بيروت، واستئناف مسار التحقيق، رغم اعتراض مَن لا مصلحة له في كشف الحقيقة، ووصول التحقيق إلى خواتيم نهائيّة واضحة.
- تتزامن مع إعلان استراتيجيّة عدوانيّة إسرائيليّة، تبنتها حكومة العدو اليمينيّة المتطرّفة بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي أعلن أمام الكنيست بأن المهمة الأولى لحكومته ستكون:
- إحباط مساعي إيران لتطوير سلاح نووي يهدد إسرائيل، ويقوّض أمنها.
- منع إيران من تطويق إسرائيل، إنطلاقا من سوريا، حيث تسعى إلى خلق وجود دائم لها، إلى لبنان حيث تدعم “حزب الله” بشتى أنواع الأسلحة، إلى زعزعة الاستقرار في الأردن، والضفة الغربيّة، وقطاع غزّة.
- توسيع المستوطنات على أراض يأمل الفلسطينيّون إقامة دولتهم عليها.
- إستكمال تهويد القدس كعاصمة أبديّة لدولة “إسرائيل”.
- إبرام المزيد من إتفاقيات التطبيع.
- منع إيران من “بناء مصانع أسلحة في مناطق عدّة بلبنان، ضمنا المنطقة المحيطة بمطار بيروت”!
وكان البيان الذي صدر عقب الإجتماع الذي عقده الوزير عبد اللهيان مع السيّد حسن نصر الله، لافتاً حيث ركّز على “الإستراتيجيّة الإسرائيلية العدوانية”، وأكد بأن “البحث قد تناول آخر التطورات والأوضاع السياسيّة في لبنان، وفلسطين، والمنطقة، وبالخصوص الإحتمالات والتهديدات الناشئة عن تشكيل حكومة الفاسدين والمتطرفين في كيان العدو، وموقعيّة حركات المقاومة، وكل محور الممانعة في مواجهة المستجدات والأحداث الإقليميّة والدوليّة”.
يبقى أن الزيارة، على الرغم من طابعها الرسمي، شكّلت مفاجأة من حيث التوقيت، حتى أن الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي لم يتبلغا إلاّ قبل ساعات معدودة من حصولها، وتراوحت المعلومات بين الدوافع الأمنيّة، والحرص على سرّية التنقل للوزير الإيراني، وبين العنصر الطارئ الذي استوجب حصولها على وجه السرعة، من دون التوقف عند المراسم البروتوكوليّة، “بعدما دخل مطار بيروت الدولي رادار إسرائيل” بأمر من نتنياهو شخصيّاً.
وتحصل الزيارة بعد مرور شهر على الضجّة التي أثيرت حول طائرة “معراج” الإيرانية، لكن يومها لم يكن نتنياهو قد تملّك مقاليد السلطة في كيان العدو. اليوم، وهو على رأس حكومة من المتطرفين، يفتح ملف السلاح الإيراني في لبنان، إستناداً الى دراسة أعدتها منظمة “ألما” البحثيّة الإسرائيليّة، وتتحدث عن “مصانع أسلحة إيرانيّة عالية الدقّة بالقرب من مطار بيروت”. وتحدّثت “عن صور جويّة يقال بأنها تظهر مصانع أسلحة إيرانيّة قريبة من شركة للغاز، ومن مدرسة في حي الإباء والجناح”!
ويترافق هذا الضخ الإعلامي العدواني مع زيارة يستعد لها وزير الخارجيّة الأميركي أنتوني بلينكن إلى تل أبيب لمنع نتنياهو من تنفيذ إستراتيجيته التوسعيّة، وتحذيره من الإقدام على مغامرة قد تشعل حرباً في الشرق الأوسط لا مصلحة للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، بها، خصوصاً في ظل الحرب المتفاقمة في أوكرنيا، وتداعياتها المكلفة على دول العالم. كما سيحاول إقناع الرؤوس الحامية في تل أبيب بأنه يبقى للدبلوماسيّة مكان متقدم، ووحدها القادرة على إيجاد الحلول للكثير من الأزمات المعقدة، بدليل أن الدبلوماسيّة قد توصلت إلى تفاهم ترسيم الحدود البحريّة في جنوب لبنان بموافقة من “حزب الله”، ومباركة من طهران.
حتى أن روسيا، وعلى الرغم من مشاغلها في حرب أوكرانيا، ستستقبل الوزير عبد اللهيان في 17 الجاري حيث يجري محادثات مستفيضة مع الوزير سيرغي لافروف تتناول كل الملفات ذات الإهتمام المشترك، بما فيها التهديدات الإسرائيليّة، حيث هناك جوّ من “الثقة، وتناغم المصالح” ما بين موسكو وتل أبيب، والدليل أن الرئيس فلاديمير بوتين كان واحداً بين قلّة من زعماء العالم الذين رفعوا سماعة الهاتف، وهنأوا نتنياهو بتشكيل الحكومة.
وفي بيروت، تبقى المجالس بالأمانات حول ما تمّ بحثه داخل الصالونات الرسمية. إلاّ أن الوزير الإيراني كان صادقاً عندما جدد عروض بلاده السخيّة في دعم الكهرباء في لبنان، وبناء مصانع جديدة، والاستعداد لتقديم عروض مغريّة للفيول، إلاّ أن الجواب الرسمي كان على وقع “عودك رنّان.. ونحن نتمنى، ونريد، لكن لا نستطيع، إلاّ بعد التشاور مع الإدارة الأميركيّة، ونيل الموافقة، خوفاً من العقوبات”، أو حرصا على الإرتهانات!