/محمد حمية/
يبحث رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عن تسوية سياسية قبل فوات الأوان، وقبل أن يتجرع كأس سم انتخاب مرشح “الثنائي الشيعي” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، أو المرشح المؤيد من واشنطن والسعودية قائد الجيش العماد جوزاف عون، فيسافر إلى قطر تحت ستار حضور “المونديال” طلباً للقاءات خارجية يحرص على إبقائها طيّ الكتمان والسرية، فيما يعقد جولة داخلية مع أخصامه السياسيين، كالرئيس نجيب ميقاتي ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ويدور الحديث عن زيارة سيقوم بها بعد الأعياد إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري، فضلا عن زياراته المتكررة الى بكركي وتواصله الدائم مع البطريرك الراعي.
ماذا يخطط باسيل؟
يسعى باسيل إلى تسوية سياسية سريعة لانتخاب رئيس وسطي توافقي، من خارج المرشحين التقليديين والمعلنين كميشال معوض وسليمان فرنجية وقائد الجيش.. فصحيح أن إطالة أمد الشغور الرئاسي يصب في مصلحته، لجهة احتمال أن تتغير الرياح الدولية والاقليمية والتوجهات الاميركية باتجاه التسويات الخارجية ورفع العقوبات عنه، فيقطف ثمارها بوصوله الى الرئاسة شخصياً بحال عقد تسوية مع الأميركيين، أو يتحول الى أحد الصنّاع الرئيسيين للرئيس، أو يمتلك حق “الفيتو” بالحد الأدنى.
لكن في الوقت نفسه، يعرف باسيل أن عجز القوى الداخلية عن التوافق على مرشح، سيؤدي بالأوضاع الاقتصادية والأمنية الى مزيد من الانهيار، وربما الى الانفجار الأمني، ما سيستدرج الخارج الى فرض تسوية على الجميع تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار الأمني لاعتبارات أميركية ـ اوروبية عدة، ما يرفع حظوظ قائد الجيش، أو ما يوازيه من المرشحين. لذلك يعمل باسيل على حث أحد الوسطاء، الذي تردد أنه رجل الأعمال الأردني علاء الخواجة، على ترتيب اجتماعات مع خصومه الذين يتقاطع معهم برفض بعض المرشحين.. فيتقاطع مثلاً مع حزبي “القوات” و”الكتائب” وجنبلاط على رفض ترشيح سليمان فرنجية، ويتلاقى مع جنبلاط وربما مع الرئيس نبيه بري و”حزب الله” على رفض قائد الجيش.
لماذا يريد باسيل قطع الطريق على فرنجية وقائد الجيش؟
مصدر مطلع في “التيار الوطني الحر” ومقرب من باسيل، يشير لموقع “الجريدة” إلى أن “المشكلة لا تكمن في اسم الرئيس، بل بما بعد انتخابه، وبالمشروع الذي سيعتمده، وبشخصية رئيس الحكومة المقبلة، وهوية الحكومة ووظيفتها ودورها والخطط التي ستتبعها للإنقاذ والإصلاحات ومكافحة الفساد… فلا يكفي أن ننتخب رئيساً ولا نعرف عن المرحلة المقبلة شيئاً، وإلا ستستمر الأزمة ونواجه المشكلات نفسها”.
ويستبعد المصدر خيار ترشيح أحد أعضاء تكتل “لبنان القوي”، باعتبار أن النتيجة ستكون نفسها طالما أن معارضي باسيل سيعارضون أي مرشح من تكتله ولن يعتبرونه مرشحاً توافقياً، موضحاً أن باسيل “لم يكن يحقق مصالحه الشخصية بل يحقق مصالح التيار وأهدافه الوطنية، من مكافحة الفساد وانجاز الإصلاحات المطلوبة وإعادة بناء الدولة. وبالتالي أي شخصية في التيار ستصل الى رئاسة الجمهورية، لا يمكن أن تتحول الى شخصية وسطية وتبتعد عن أهداف التيار وتنفيذ سياساته التي تصب في مصلحة البلد ومستقبله السياسي والاقتصادي، كما كان يهدف الرئيس ميشال عون”.
ولا تبدي المصادر حماسة لترشيح قائد الجيش، “فضلاً عن أنه يحتاج الى تعديل دستوري، وهذا ما نرفضه لشخص ما بعينه، وبالتالي يحتاج التعديل الى 86 نائباً غير متوفرين بظل معارضة قوى عدة لوصوله، مثل التيار الوطني الحر”.
ومن غير المعروف إذا كان بري وجنبلاط و”حزب الله” يسيرون بهذا الخيار، في ظل علاقة البرودة بين “عين التينة” و”المختارة” و”حارة حريك”، مع قيادة الجيش.
يدرك باسيل أن وصول فرنجية إلى بعبدا سيشكل ضربة قاصمة للتيار العوني ولمستقبل باسيل شخصياً ولمشروع ميشال عون، إذ يعتبر العونيون أن فرنجية سينضوي ضمن تحالف مع بري وميقاتي وجنبلاط وودائع الرئيس سعد الحريري في المجلس النيابي، ما سيشدّ الحصار على التيار العوني في الدولة وفي السياسة. لذلك يرى باسيل أي مرشح آخر أقل ضرراً من وصول فرنجية، وهذا هو سبب تصعيده الأخير ضد “حزب الله”. واعتراضه على موقف الحزب حيال جلسة مجلس الوزراء الأخير، ليس رمانة بل “قلوب مليانة”. والأخطر في الأمر، بالنسبة لباسيل، أن فرنجية قد يقطف ثمار أي تسوية داخلية ـ خارجية تحمل متغيرات بالموقف الغربي تجاه لبنان، فتكون ولاية “الزعيم الشمالي” عهد الانفراج السياسي والاقتصادي، وسيقطف أيضاً استثمار الثروة النفطية والغازية، على اعتبار أن التقديرات تتوقع ذلك خلال الست سنوات المقبلة. وقد يستفيد فرنجية من هذا المناخ الخارجي الايجابي الذي سيفرض هدنة سياسية في الداخل، بتقوية نفوذه وتوسيع زعامته المسيحية والوطنية من “الزاوية” الى كافة المناطق اللبنانية.
وكذلك الحال بالنسبة لقائد الجيش الذي قد يستغل منصبه في رئاسة الجمهورية لبناء زعامة مسيحية تنافس باسيل.
ولهذا السبب يريد باسيل رئيساً للجمهورية بمواصفات خاصة: أولاً، من خارج الصف السياسي. ومن “التكنوقراط” ولا يملك مؤهلات لكي يتحول الى زعيم سياسي. ويسهل التوافق معه على الاستحقاقات المقبلة، كرئيس الحكومة وتشكيل حكومة وإصلاحات ومكافحة الفساد والتدقيق الجنائي والتعيينات، وعلى رأسها حاكمية مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الاعلى والمدعي العام التمييزي وقائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي. وفي نفس الوقت، لا يأكل من “الصحن العوني”، أو يستفيد من وهج رئاسة الجمهورية ليتمدد مسيحياً بهدف بناء زعامة تنافس زعامة ميشال عون وباسيل مستقبلاً.
ولهذا، قرر باسيل لعب آخر أوراقه بالتخلي عن ترشحه أولاً، وخوض حرب حياة أو موت مع فرنجية وجوزاف عون، وقطع الطريق عليهما بطرح مرشح مقبول داخلياً وخارجياً قد يعلنه في الجلسة النيابية المقبلة، ويتردد أنه الوزير السابق جهاد أزعور.