/ جورج علم /
يروّج بعض الإعلام، ومنذ أيام، عن تهديد إسرائيلي بقصف مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. حجّة العدو، أن المطار قد تحوّل الى مهبط للطائرات الإيرانيّة التي تنقل أسلحة لـ”حزب الله”.
في بيروت، صمت حتى الآن، وتجاهل، وتغاضي، وعدم اكتراث. هل من تهديد جدّي، أو مجرّد تهويل إعلامي، يخفي مقاصد عدوانيّة؟ هل من طائرات إيرانيّة تحطّ، وتنقل أسلحة، أم “ما شفتش حاجه؟!” هل من اهتمام، ومتابعة، وتقصّي حقائق، وحملة دبلوماسيّة مكثّفة باتجاه الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، والدول الشقيقة، والصديقة، لوضع الأمور في نصابها، أم أن لا وقت لدى المسؤولين للاهتمام، والانسجام حول موقف موحد، نظراً لانهماكهم بالنكد السياسي، وتصفية الحسابات في ما بينهم؟!
وما صدر من ردود فعل قليلة، لا يعبّر عن موقف يوازي بجديّته مستوى الخطورة التي ينطوي عليها التهديد، لا بل تُصنّف في خانة الشعبويّة، والمزايدات الرائجة موضتها هذه الأيام؟
ويبقى السؤال: هل من تهديد جدّي؟ وكيف تتعاطى بعض البعثات الدبلوماسيّة الكبرى معه؟
تشير المعلومات الى أن البعثات ليست مؤسسات إعلاميّة تتنافس في ما بينها على بثّ الخبر، وفضح المعلومة. إنها حصون الأسرار، وتتعاطى مع الإعلام بما يخدم مصالح الدول التي تمثّل. والساحة اللبنانيّة اليوم غنيّة بعناصر الجذب والاهتمام، كونها مفتوحة أمام العاشق القريب، والمشتاق البعيد، خصوصاً بعد الحديث عن حقول النفط والغاز، وإبرام تفاهم ترسيم الحدود. وإن تنافس المصالح، لا يقيم وزناً للحدود أو القيود ـ إذا ما وجدت ـ لأن الحاجة تبرر الوسيلة، ودور البعثات هو ترشيد مصالح دولها لدى الدول المعتمدة لديها، ومضاعفة الوزنات!
ويؤكد ملحق دبلوماسي أوروبي في مجلسه، بأن الترسيم أحدث دينامكيّة خاصة، بمعنى أن العديد من الدول استحدثت طواقم لدى بعثاتها المعتمدة، إن في بيروت، أو في بعض عواصم دول الجوار، لمتابعة هذا الملف الحيوي، ومستجداته. وإن الأنظار مشدودة الآن الى ما يجري في داخل الكيان “الإسرائيلي” بعد فوز اليمين المتطرف، وقيام الإدارة الأميركيّة بخطوات استباقيّة، للتنبيه من اعتماد سياسة توسعيّة. وقد أصدرت، لغاية الآن، تحذيرات ثلاثة:
الأول، بيان رسمي صادر عن وزارة الخارجيّة، يحذّر نتنياهو من اختيار النائب المتطرّف إيتمار بن غفير وزيراً في حكومته، إلاّ أنه لم يمتثل، وأقدم على اختياره وزيراً للأمن الداخلي، بصلاحيات واسعة.
الثاني، الرسائل المباشرة التي وجهها وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن الى نتنياهو عبر بعض المنظمات اليهوديّة الأميركيّة، يحذّره فيها من توسيع المستوطنات، وتقويض آفاق حلّ الدولتين، وتغيير الواقع التاريخي القائم للمواقع المقدسة.
الثالث، صدر مباشرة عن البيت الأبيض، وحذّر نتنياهو من المساس بـ”خطين أحمرين”: عدم ضمّ أراضي الضفة، وعدم استهداف الأقصى.
وما يشغل بعض دوائر دول القرار، هو احتمال إقدام نتنياهو على تخريب الإنجاز الأميركي الذي حققه آموس هوكشتاين في ترسيم الحدود البحريّة، انطلاقاً من موقفين:
الأول، عبّر عنه (نتنياهو) خلال الحملة الإنتخابيّة، من أنه سينسف أي إتفاق تبرمه حكومة يائير ليبيد مع لبنان.
والثاني، تهديده بتغيير بنود أساسية في إتفاق “غاز شرق المتوسط”، سبق لحكومة ليبيد أن وافقت عليها.
ويأتي الحديث عن التهديد بقصف مطار بيروت، في سياق الكلام حول المناخ التأزيمي السائد في المنطقة، وضرورة القيام بمحاولة خلط أوراق واسعة، للخروج من حالة الإنسداد، والتخلص من المعوقات التي تفرض التأزيم الحاصل حول أكثر من ملف، واستحقاق.
إن اليمين المتطرف في إسرائيل، مأزوم. التباين في وجهات النظر مع الإدارة الأميركيّة بدأ يلامس استراتيجيّة واشنطن المتبعة في المنطقة. يصرّ نتنياهو على فريق وزاري من غلاة المحافظين، لكن ماذا عن البيان الوزاري؟ وأي جدوى من حكومته إذا لم ينفّذ اليمين المتطرف ما وعد به ناخبيه، من ضمّ الضفة الغربيّة، إلى تهويد القدس، إلى استهداف الأقصى…؟ في هذه الحال يصبح الخيار متاحاً للقيام بعملية خلط أوراق واسعة، إما بعدوان على مطار بيروت، أو بحرب في المنطقة تحت شعار منع إيران من امتلاك القنبلة الذريّة.
وكان نتنياهو قد مهّد لمحاولة استهداف المطار في 29 أيلول 2020، عندما وقف من على منبر الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حاملاً في يده خريطة لمدينة بيروت، حيث زعم وجود مستودع أسلحة سرّي تابع لحزب الله بالقرب من المطار، محذّراً من إنفجار كارثي آخر (بعد إنفجار المرفأ في الرابع من آب 2020) ومهدداً متوعداً بإجراء المقتضى حتى لا يستخدم هذا السلاح ضد إسرائيل.
ولا يقتصر التأزيم عند العدو، فحزب الله بحاجة أيضاً إلى عمليّة خلط أوراق تعيد له وهج نفوذه في الداخل، والإقليم، وتمكّنه من تنفيذ مشروعه السياسي، بدءاً بإيصال من يريد إلى سدّة رئاسة الجمهوريّة، وصولاً للوفاء بإلتزاماته مع الفصائل الثوريّة الفلسطينيّة في حال أقدم نتنياهو على تنفيذ مخططه التوسعي.
وحتى إيران بحاجة إلى عمليّة خلط أوراق، لصرف الأنظار عمّا يجري في الداخل، والتفرّغ إلى إجهاض الاحتجاجات، وفك العزلة الدوليّة التي تحاصرها، وتزيد من حياكة الشرنقة حول مصالحها، وإحراج العرب من خلال العودة إلى رفع شعارات القضيّة الفلسطينيّة، والغمز من قنوات الدول التي أبرمت إتفاقيات سلام مع الكيان الإسرائيلي.
ويبقى السؤال: هل يقدم نتنياهو؟ كل الإحتمالات واردة، إن لم يصر إلى تنفيس الإحتقان العام السائد في غير مكان في المنطقة، عبر القنوات الدبلوماسيّة…