خالد أبو شقرا
لا تملّ المنظومة من لعبة تفريغ القوانين والهيئات الناظمة والرقابية من مضمونها الحقيقي. آخر إبداعاتها تجلّى في إطلاق وزارة الطاقة والمياه إجراءات التوظيف لأعضاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. فدعت من جهة إلى تقديم السير الذاتية تحت ضغط الجهات الدولية، والتفّت من جهة أخرى على المطلب المزمن من خلال ربط التعيين بإجراء التعديلات على مهام الهيئة، بما يتعارض مع القانون 462/2002، “الأمر الذي يمثل قمة الانحدار في تطبيق الإصلاحات والاستخفاف بعقول المجتمع الدولي والمحلّي على حدّ سواء”، بحسب مصدر متابع.
وزارة الطاقة استندت في قرارها إلى المادة 7 من القانون181/2011 التي تنص على “تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزراء: الصحة العامة، المالية، وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، الشؤون الاجتماعية، الطاقة والمياه، العمل، العدل، الاقتصاد والتجارة، للنظر بالتعديلات على القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) خلال مهلة أقصاها ثلاثة أشهر، والإلتزام بالقانون وتشكيل هيئة تنظيم قطاع الكهرباء خلال هذه المهلة بناء على اقتراح وزير الطاقة والمياه”.
من حيث المبدأ لا أحد يجادل بحاجة القانون 462/2002 إلى تحديث، خصوصاً أنه مضى على إقراره أكثر من عقدين، حصلت فيهما تطورات كبيرة جداً على صعيد الكهرباء. لكن التعديلات المراد إجراؤها تتخطّى المطلوب، لتقفز مباشرة إلى تحويل الهيئة الناظمة للقطاع إلى هيئة صورية. بشكل يتيح لوزير الطاقة الاستمرار في وضع يده عليها، والاستمرار بجعل القطاع الممرّ الذي يحقّق له وللفريق السياسي المستولي عليه مصالحهما السياسية والمالية بحجة أن “الوزير سيّد وزارته”. وبالتالي تجري مصادرة استقلالية الهيئة الناظمة وتحويلها إلى فرع ملحق بالوزارة. وهذا ما بدا جلياً في بيان وزارة الطاقة الأخير الذي ذكر بالحرف أن المطلوب: “إدخال التحديثات والتطويرات اللازمة لأحكام القانون 462 بما يؤمّن معالجة الثغرات الكامنة فيه، خصوصاً لناحية توضيح وفصل الصلاحيات بين الهيئة المنوط بها نظم القطاع عبر إصدار التراخيص ووضع التعرفة وغيره من الأدوات الناظمة من جهة، والدولة التي تبقى مسؤولة عن وضع سياسة القطاع وتحديد إطار مشاركة القطاع الخاص وصولاً الى التعاقد معه من جهة أخرى”، مع تشديد الوزارة على “إلزاميّة تعديل عدد أعضاء الهيئة ليصبح 6 بدلاً من 5 كما جاء في القانون تماشياً مع مقتضيات الميثاقية والدستور الذي ينص على المناصفة في وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها”.
في الوقت الذي تطمح التعديلات إلى إبقاء القديم على قدمه، كان الأجدى بحسب أوساط متابعة التركيز “على التعديلات الجوهرية في مشروع القانون 462 الذي عفّى الزمن على الكثير من بنوده، وليس عدم المسّ بصلاحيات الوزير وإبقاء سلطته المطلقة على القطاع”. ومن التعديلات المطلوبة على سبيل الذكر لا الحصر تعزيز الاتمتة والعمل بموجبات التحول الرقمي، وإدخال عناصر جديدة تتمثل في الشبكات المصغّرة وإمكانية المواطن إنتاج الطاقة ووضعها وتبادلها على الشبكة، وتغيير الطريقة في إدارة قطاع الكهرباء، حيث برزت في الأعوام الأخيرة تجارب مهمة سواء لجهة إنشاء هيئات كهربائية مستقلة أم محافظة الدولة على الشركة الوطنية بالإنتاج والنقل وإعطاء الخدمات الكهربائية للقطاع الخاص، وكيفية إعطاء الرخص.
وبحسب الأوساط إن “ما يقرّ من قوانين، وما يجري من تعديلات على تلك القائمة لا يصيب المصلحة الوطنية بقدر ما يهدف إلى إرضاء الجهات الدولية المانحة. هذا ما رأيناه في قانون تعديل السرية المصرفية، أقله في نسخته الأولى، وقوانين مكافحة الفساد، وهو نفسه ما نراه اليوم في ما يتعلق بالهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء”.