اعتبر رئيس الهيئات الإقتصادية الوزير السابق محمد شقير، في تصريح اليوم، أن “أسوأ شيء شهده لبنان هو الفراغ لأنه مؤذ للجميع وخاصة للإقتصاد الوطني”، وقال: “من يتابع أخبار لبنان في الخارج يلحظ كمية تفاؤل أكبر بمستقبل البلد من الذي يتابعها في الداخل. فبعد إتفاق الترسيم، إنتقل لبنان من مكانٍ إلى مكان آخر، ووفق المعلومات الموجودة فإن موضوع إنتخاب رئيس جمهورية سيكون قريبا، وأتمنى أن تأتي فترة الأعياد في ظل وجود رئيس جمهورية يحمي الجميع وقريب من الجميع وحاضن لكل اللبنانيين”.
وقال: “لبنان يحتاج إلى رئيس توافقي لجميع اللبنانيين يجمعهم مع بعضهم البعض ولا يفرقهم ورئيس يستطيع إعادة تقوية العلاقات اللبنانية مع الخارج وخاصة الدول الخليجية. فاليوم تعافي لبنان الإقتصادي مرهون بوقوف دول الخليج إلى جانبه. ليس من الضرورة أن يكون هناك رئيس يتمتع برؤية إقتصادية ما، ففي ظل وجود رئيس جمهورية جامع يمكن أن يتم تشكيل حكومة تجمع وزراء إختصاصيين هدفهم العمل وخدمة الشعب”.
أضاف: “اليوم المشكلة في إنتخاب الرئيس ليست بما تريده دول الخليج أو ماذا تريد المملكة العربية السعودية الذين لا يتدخلون بأمورنا الداخلية، فاليوم إذا إنتخبنا رئيسا يهاجم السعودية أو أي دولة اخرى، هذه الدولة لن تقف إلى جانب لبنان. وكل ما تتمناه اليوم المملكة العربية السعودية أو دول الخليج هو أن يأتي رئيس جمهورية يرضي الشعب اللبناني ويكون قريبا من الجميع ويفتح الحوار مع الجميع”.
وتابع: “موقف السفير السعودي واضح، وهو أن لا يتدخل بالشؤون الداخلية اللبنانية، والمملكة العربية السعودية تتمنى الخير للبنان وتتمنى أن يكون هناك رئيس جمهورية يحظى بتوافق كل اللبنانيين ويعيد لبنان إلى الخارطة العالمية التي خرج منها. ومن المهم إدراك أن خلافاتنا الداخلية هي التي تستقطب التدخلات الخارجية، فإذا حصل إتفاق من الداخل وجرى انتخاب رئيس، لا أحد يستطيع إيقاف هذه العملية“.
وشدد على أن “تأثير الخارج على المشاكل اللبنانية ضئيل، فكلما زادت خلافاتنا الداخلية كلما ارتفع منسوب التدخل الخارجي في لبنان، وبصراحة 90% من مشاكلنا هي صراعات داخلية”.
ورأى أنه “في هذه المرحلة الجديدة لا نستطيع أن نقول إننا نريد رئيس جمهورية من فريق 14 آذار أو 8 آذار، وهذا الأمر أيضا ينطبق على رئيس الحكومة، وعلى الأطراف اللبنانية عدم الدخول في هذه اللعبة، فقد جربت سابقا وكانت نتائجها واضحة. ومن الضروري أن نتعلم الدروس من أخطاء الماضي”.
وفي إطار حديثه عن موضوع ترسيم حدود البحرية، أكد شقير أنه “لا يمكن التطرق لهذا الموضوع دون التوجه بالشكر لدولة الرئيس نبيه بري واللواء عباس إبراهيم الذي كان جنديا مجهولا في إتمام هذا الملف، علما ان الجميع صار يعلم أن اللواء إبراهيم هو من فاوض الأميركيين”. وقال: “بعد الترسيم، لاحظنا التصريحات الأميركية تجاه لبنان ودخول إحدى الدول الخليجية للإستثمار في لبنان، كما رأينا تحركات شركة توتال وحماس القطريين الذين إشتروا حصة الروسيين ورفعوا حصتهم في الكونسورتيوم في مجال التنقيب عن النفط في لبنان”.
وأكد أنه “في الشق الإقتصادي ليس هناك عواطف بل مصالح للمستثمرين، فلو لم يكن هؤلاء المستثمرون واثقين بمستقبل للبنان لما كانوا موجودين هنا الآن، فاليوم هناك فندقان تم شراؤهما من قبل مستثمرين قطريين وهما قيد الترميم، كما هناك مفاوضات على مؤسسات سياحية أخرى، واليوم بكل صراحة هناك حركة تجاه لبنان وهناك إهتمام به”.
ولفت إلى أن “عودة المؤسسات النفطية الأميركية للإهتمام بلبنان مؤشر إيجابي كبير جدا، فقبل الترسيم لم يكن العالم يثق بلبنان حيث أجرينا عدة مؤتمرات والكثير من الأشياء التي كانت بمثابة أوهام، لكن اليوم مع الترسيم أثبتنا أن لبنان يستطيع إستخراج الغاز الذي يملكه”، وقال: “يجب الإلتفات لموضوع ظهور البترول إضافة إلى الغاز حيث هناك تأكيدات على وجود كميات جيدة، فالخط النفطي واحد من الجزائر ومصر وإسرائيل وقبرص، وهناك معلومات تشير إلى ان هناك كميات في لبنان قد تكون أكبر من تلك الموجودة في إسرائيل وقبرص”.
وإذ لفت شقير الى أن “إهتمام قطر بلبنان هو بمباركة خليجية”، شدد على أن “دخول دولة قطر في الكونسورتيوم النفطي ورفع حصصها أمر مهم جدا، إذ أنها أصبحت لاعبا اساسيا في هذا المجال. مع الإشارة إلى أن دخولها في مجال الغاز اللبناني أمر طبيعي كونها ثاني دولة منتجة للغاز في العالم، ومؤسساتها معروفة بخبرتها وباعها الطويل. ودون شك هذا الدخول أمر مرحب به وما كان ليتم دون مباركة خليجية“.
وقال: “زيارة الوفد القطري إلى لبنان والإعلان عن الحاجة لـ 100 ألف لبناني للعمل في قطر يؤكد دعم قطر للبنان وحب دول الخليج له، والمطلوب اليوم فقط هو أن نحب أنفسنا لنستطيع أن نعمل أكثر. فاليوم هناك 22 إتفاقية مجمدة مع السعودية لأسباب سياسية، وفي وقت تهرع دول العالم لتقوية علاقتها مع المملكة السعودية يغرق لبنان في حسابات سياسية”.
وأكد ان “الإهتمام القطري بلبنان يتخطى قطاع النفط، فهناك إهتمام قطري في مشاريع كثيرة وجرى كما قلنا ترميم فندقين بطريقة سريعة، علما ان الحركة القطرية الصحيحة تجاه لبنان ستتجلى بعد إنتهاء مباريات كأس العالم، وسيكون هناك وفود إقتصادية كبرى ستغادر بيروت إلى الدوحة”.
واستغرب شقير “التصريحات التي تصدر عن بعض من يطلقون على أنفسهم صفة خبراء الإقتصاد حيث ينادون بعدم الحاجة لصندوق النقد، بحجة أن الموسم السياحي أدخل بين 4 و6 مليارات دولار للبلد. وفي الواقع أن النهوض بلبنان غير ممكن دون توقيع إتفاق مع صندوق النقد، فلبنان بحاجة لتوقيعه والسير على شروطه في الإصلاحات، فدون ذلك لا نستطيع الوصول إلى أي مؤسسة مالية عالمية ولا يمكن لأي دولة صديقة محبة للبنان دعمه ماديا”.
وأشار إلى أن “لبنان بحاجة لحدود 20 مليار دولار، صندوق النقد سيعطيه 3 مليار دولار وسيمسك بيده ليأخذه إلى المؤسسات المالية الأخرى ليحصل على 4 أو 5 مليار دولار أخرى. كما سيساعد لبنان لتحقيق الوعد الفرنسي والخليجي عبر تطبيق الإصلاحات والحصول على دعم، أي أن مبلغ الـ20 مليار دولار غير مستحيل”.
وكشف عن أن “الهيئات الإقتصادية وضعت خطة إنقاذية عمل عليها فريق عمل من 14 شخصا من اهل الإختصاص وخبراء إقتصاديين وماليين وقانونيين، وهي منذ اليوم الأول تقول أن خطتها ليست منزلة وقابلة للتعديل، وهي مستعدة للقيام بذلك شرط الإبتعاد عن الكذب والشعبوية. وأي أحد تتوفر في فكرته هذه الشروط، فأبواب الهيئات مفتوحة امامه”.
وشدد على أن “أي خطة إنقاذية يجب أن تتمتع بـ4 شروط أساسية: إرضاء المودع، قبول صندوق النقد، إمكانية إقرار القوانين في مجلس النواب، وعدم إفلاس القطاع المصرفي. وأي خطة لا تراعي هذه الشروط الأربعة لن تطبق بكل تأكيد ولن تمر”.
كذلك شدد على “مبدأ اساسي هو حماية حقوق المودعين، لذلك يجب عدم التمييز بين المودعين، إذ أن هذا الأمر لم يحصل خلال أي أزمة حدثت في العالم وعبر التاريخ، فهذا أمر غير مقبول ولهذا أطلقت الهيئات خطتها ودرست كيفية إعادة أموال جميع المودعين مراعية الشروط المذكورة”.
وعن مسألة تمويل إعادة الأموال لكبار المودعين عبر إدارة أصول الدولة، لفت شقير أن “هذه الآلية التي اعتمدتها الهيئات مهمة جدا للدولة وقطاع الخدمات أكثر من المودعين، فالدولة فاشلة في إدارة مؤسساتها، وإن إدارة هذه المؤسسات من قبل شركات عالمية متخصصة عبر مناقصات عالمية سيؤدي الى إصلاحها وإدارتها بشفافية وسيحولها من مؤسسات فاشلة إلى مؤسسات ناجحة ومنتجة ومنافسة، حيث ستستقدم الشركات العالمية طاقما مهنيا كفوءا، وتكنولوجيا حديثة وجديدة أصبح لبنان بعيدا عنها كثيرا. ووفقا للخطة: إذا كان معدل أرباح هذه المؤسسات 5% على مستوى العالم، يتم إعتماد هذا المعدل وتحويله لخزينة الدولة، وكل شيء يزيد عن الـ5% يوضع في صندوق ويتم توزيعه على المودعين الكبار، ما يعني أن خطة الهيئات خطة إصلاحية تطور الإقتصاد وتعيد أموال المودعين بشكلٍ راقٍ”.
وبالنسبة للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، أكد شقير أن “جميع الأطراف السياسية مقتنعة بعدم إمكانية الإنطلاق بالبلد إلا عبر توقيع إتفاق مع صندوق النقد، لكن المزايدات الشعبوية أصبحت مشكلة مزرية ومتفاقمة. فكنا ظننا أن هذه المزايدات ستنتهي مع الإنتخابات النيابية، لكنه مع الأسف مع وجود المجلس النيابي الجديد وجدنا أن منسوب الشعبوية قد ارتفع عما كان عليه في السابق“. وقال: “يكفي شعبوية ويكفي كذبا على المواطنين. شخصيا، أستغرب إصرار البعض في تصريحاته المتكررة على إعادة الودائع كاملة، في حين أن 70 و80 مليار دولا قد تبخرت، فنحن في خطتنا قلنا أننا سنعيد حوالي 75 في المئة من أموال المودعين على سنوات طويلة تتراوح بين 7 سنوات لودائع المئة الف دولار، اما الودائع التي هي فوق الـ100 الف دولار فتتطلب تقسيطها لسنوات اطول. يجب على الجميع أن يعلم أن هناك مكان سيتوجع فيه الكل، ويجب أن نكون واضحين وعلى الدولة أن تتحمل مسؤولياتها كما على المصارف أيضا تحمل مسؤولياتها”.
كما أكد أن “اجتماعات صندوق النقد مع لبنان في المرحلة المقبلة وبعد الترسيم ستشهد مرونة أكبر”، منبها الى أن “الرهان على أن وجود الغاز قد يشكل بديلا للبنان عن الإتفاق مع صندوق النقد، هو مجرد كلام وأوهام إذ أن لبنان بحاجة لصندوق النقد لإستعادة الثقة”.
وتوجه شقير ب”التحية للقطاع الخاص اللبناني، هذا القطاع الجبار الذي إستطاع الحفاظ على مؤسساته والتأقلم بمشاكل كبيرة وضخمة ولايزال مستمرا في أحلك الظروف”. وإعتبر أن “اليوم هم القطاع الخاص هو شلل مؤسسات الدولة التي يعاني موظفوها بشكل كبير، وبالتأكيد هم من أكثر الأشخاص الذين يلحقهم ظلما كبيرا، لذلك لا بد من تحسين مداخيلهم ولهذا كنا قد طرحنا موضوع استيفاء الرسوم على الطائرات الأجنبية في مطار رفيق الحريري الدولي بالدولار الفريش، ولو كنا قد تابعنا وعالجنا الموضوع قبل سنة كنا قد أتينا بأموال كثيرة”.
ولفت إلى “أن كلفة الطاقة وسعر المازوت يشكلان عبئا كبيرا على المؤسسات الخاصة حيث يذهب 20% من دخلها للمازوت، كما أن المواطن يدفع حوالي 50% من دخله فاتورة للمولدات وهذا الأمر لم يحصل في أي بلد بالعالم وجريمة كبيرة بحق المواطن. وإذا تمت معالجة الواقع الإقتصادي وموضوع الكهرباء وجرى تخفيض 50% من فاتورة المازوت، سيتحسن الوضع الإقتصادي والمعيشي”.