اشتراكات الكهرباء: بديل مرّ لكهرباء الدولة

/زينب نعمة/

لم يكن يتوقّع السيد أبو حسن (58 سنة)، أن تتغيّر حياته كلها بسبب ارتفاع أسعار اشتراكات الكهرباء التي أجبرته على إغلاق باب رزقه أي “دكانته” في بيروت، لينتقل بعدها إلى الجنوب مع عائلته بسبب انعدام خيارات الحياة في المدينة. إغلاق محل السمانة تمّ بعدما عجز الرجل الخمسيني عن تحمّل تكاليف المحل من أجار واشتراك كهرباء خاصّة في ظلّ الارتفاع الجنوني لأسعار المولّدات الخاصّة والتي غالباً ما يقوم أصحابها بفرضها بعملة الدولار بحسب السوق السوداء (يتخطّى الـ36 ألف ليرة). يتعثّر أصحاب المصالح ويعيشون “التخبّط” في محاولة الموازنة بين تفادي الخسارة التي تؤدي إلى الإغلاق من جهة، والمحافظة على تماسكهم الاقتصادي والنفسي ومراعاة ظروف الناس المأساوية التي لا تتحمل زيادات كثيرة في أسعار السلع والخدمات من جهة أخرى.

هذا الواقع “الصعب”، ينتشر في كافّة المناطق اللبنانية من دون استثناء، وبشكل كبير في العاصمة بيروت حيث تنقطع الكهرباء ساعات طويلة تلامس أحياناً الـ22 ساعة في اليوم.

مؤسسات تقاتل للاستمرار

في المقابل هناك بعض المؤسسات التي لجأت إلى القتال “باللحم الحيّ” كي لا تُغلق أبوابها.

بـ”تنهيدة” كبيرة بدأ السيد جهاد حديثه لموقع “الجريدة”، وأكّد أنّه يُقاوم كي لا يُغلق محلّه في الضاحية الجنوبية لبيروت. أكثر من 60 مليون ليرة لبنانية هي قيمة المدفوعات الشهرية التي يضطر السيد جهاد لدفعها شهرياً، مقابل 40 أمبير لا يمكن الاستغناء عنها ولا تقليصها لوجود 7 برادات ومكيّف كبير للحفاظ على حرارة البضاعة في “الميني ماركت” الذي يملكها.

محلات كثيرة اضطرت إلى تخفيض عدد “الامبيرات” بسبب التكاليف الباهظة للكهرباء البديلة، هذا ما لا تستطيع مؤسسات أخرى اللجوء إليه بسبب الحاجة الكبيرة إلى الطاقة وبكميات عالية.

محلات أغلقت نهائياً بسبب هذا الواقع المأساوي الذي فرضته الظروف الاقتصادية الخانقة الذي يعيشها لبنان، وبسبب التقنين الإلزامي الذي يفرضه أصحاب المولّدات الخاصّة، والذي أنهك القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الطاقّة بشكل أساسي.

السيد مصطفى منذر صاحب محل حلاقة (كوافير رجالي) قال في حديث لموقع “الجريدة” إنّه اضطر إلى تخفيض الاشتراك من 40 أمبير إلى 20 أمبير بسبب الغلاء الكبير والارتفاع الباهظ لأسعار الموّلد. يدفع منذر شهرياً حوالي 800 دولار لصاحب الاشتراك كي يؤمّن له الكهرباء 24 ساعة في النهار. هذه “الثروة” تستلزم عملاً كبيراً والتضحية بأمور كثيرة كي يستطيع المزيّن أن يحصّلها، منها استبدال المكيّف العادي في المحل إلى مكيّف “الأنفرتال”، من أجل التخفيف من مستوى استهلاك الطاقة، فالمكيّف العادي بحاجة إلى 11 أمبير بينما المكيف “الإنفرتال” بحاجة إلى 3,5 أمبير.

بحسب السيد منذر الذي يعمل في مصلحة التزيين الرجالي منذ أكثر من 30 سنة، فإنّ الإغلاق تجاوز الـ 20 في المئة في لبنان، حيث اختار حلاقون كثر السفر كي يحافظوا على مستوى حياة مناسب لهم ولعائلاتهم، ومنهم من استبدل مهنته بمهنة أخرى كي يستطيع تأمين قوت يومه وتحصيل معيشته بكرامة.

أمّا أصحاب المصالح الذين لجأوا إلى خيار الطاقة الشمسية، فيقولون إنّ فعاليتها محدودة بالنسبة إلى المصالح التجارية، بسبب تأثرها بالطقس وحركة الغيوم، ما يستلزم وجود طاقة رديفة بشكل حتميّ، خاصّة وأنّه خلال فترة الليل يتوقّف عمل هذه الأنظمة.

السعر الرسميّ للاشتراكات

معظم أصحاب المولدات في لبنان لا يلتزمون بالأسعار الرسمية التي وضعتها وزارة الطاقة والمياه التي حددت السعر النهائي لتعرفات المولّدات الخاصّة وهو 13,796 لكل كيلواط/ساعة للمشتركين في العدادات في المدن أو التجمعات المكتظّة أو على ارتفاع أقل من 700 متر. أما للمشتركين في العدادت في القرى والمناطق المتباعدة (أو على ارتفاع أكثر من 700 متر) فإنّ التكلفة هي 15,176 عن كلّ كيلواط/ساعة.

ويتمّ وضع هذه الأسعار على أساس سعر صفيحة المازوت مع مراعاة احتساب مصاريف وأكلاف المولّدات بالإضافة إلى هامش ربح جيّد لأصحابها.

ولكن للأسف لا يتمّ الالتزام بهذه التعرفة الرسمية، بل كلّ صاحب مولد يعمد إلى وضع سعر خاصّ ومعظمهم يقومون بفرضها بالدولار، من دون أي حسيب ورقيب، في ظلّ غياب تامّ لرقابة الدولة أو وزارة الطاقة أو البلديات. التقصير الكبير لعمل مؤسسات الدولة جعل أصحاب الاشتراكات يتحكّمون ويسيطرون ويفرضون ما يرغبون به بسبب حاجة الناس إلى الطاقة.

وبعد التواصل مع مع أحد أصحاب الإشتراكات، أكّد لموقع “الجريدة” أنّ السعر الشهري للاشتراك يتأثّر بطبيعة الحال بارتفاع أسعار المازوت وأنّه يضطر إلى فرض التسعيرة بالدولار بسبب الأكلاف الباهظة التي يتكبّدها من أجل تأمين الكهرباء. وأضاف أنّه يقوم بقطع الإشتراك للناس ولأصحاب المحلّات على حدّ سواء الذين لا يسددون ثمن الاشتراك الشهري، لأنّ المؤسسة غير قادرة على تحمّل تقصير في الدفع بسبب الضغوطات المالية الهائلة.

خيار قطع المولّد لا يستثني أحداً.. من لا يدفع لا يحصل على الكهرباء.. ولا مجال للتهاون في هذا القرار.

فإلى متى سيظلّ المواطن اللبنانيّ رهينة ضعف خدمات الدولة في تأمين حقوق مواطنيها وعلى رأسها حقّ الحصول على كهرباء من جهة، ورهينة لأصحاب الحلول البديلة لتأمين الخدمات الأساسية لحياة الإنسان من جهة ثانية؟.