نحوُ اسبوع انقضى على مغادرة الرئيس السابق ميشال عون قصر بعبدا من دون ان يُعثر على أي إشارة إلى إمكان ملء الشغور الرئاسي قريباً.
فهل يحفّز هذا الفراغ القاتل أهل الحل والربط فيسهلون طريق التفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية أم يمضون في التمترس داخل حلبة إهدار الوقت وتكبيد لبنان واللبنانيين المزيد من الإنهيارات؟
على أي حال ثمة جلسة جديدة لمجلس النواب مخصصة لانتخاب رئيس دعا الرئيس نبيه بري الى عقدها الخميس المقبل.
والى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة توجه اليوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي وبعد تهنئة رئيس المجلس على جهده لسنوات في سبيل إنجاز ملف الترسيم البحري أكد الإتفاق على أن لا يكون هناك مرشح تحدٍّ كاشفاً أن الرئيس بري لم يتراجع عن الحوار إنما بعض الفرقاء رفضوه وقال:هذا خطأ.
أما في مجلس النواب غداً فجلسة مشتركة للجان النيابية في رصيد جدول اعمالها خمسة مشاريع واقتراحات قوانين.
ويتصدر هذا الجدول الكابيتال كونترول الأمر الذي يعكس الرغبة في إعادة طرحه وحسم الجدل حوله سعياً إلى اقراره في الهيئة العامة ولاسيما انه أحد بنود التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
كما أن انعقاد الجلسة بحد ذاته يعكس حرص المجلس ورئيسه على القيام بالمسؤوليات التشريعية ولاسيما في هذا الظرف السياسي والاقتصادي.
من المعروفِ انَ لجنةً سعوديةً اميركيةً فرنسيةً تجتمعُ دورياً في باريس للبحثِ في الملفِ اللبناني، وما لم يكن معلوماً حولَ ما يُطبخُ داخلَ اجتماعاتِها سراً، تصاعدت السنةُ دخانِه المريبِ خلالَ اليومينِ الماضيين : سفيرٌ سعوديٌ يهددُ اللبنانيينَ من بيروتَ بالمجهولِ اذا فكَّروا بالحوارِ باتفاقِ الطائف، ومعاونةٌ لوزيرِ الخارجيةِ الاميركية تبشرُ من واشنطن بتفككِ الدولةِ اللبنانيةِ والتصعيدِ في الشارعِ من ضمنِ ما سَمتهُ اسوأَ سيناريوهاتٍ ينتظرُها لبنانُ في حالِ لم يُفلح سياسيّوهُ بحلِّ ازمتِهم السياسية…
انهما تهديدانِ مباشرانِ يفضحانِ حجمَ التدخلِ الاميركي السعودي في ملفاتِ لبنانَ ، وبأي اسلوبٍ تُفرَضُ الشروطُ على ارادة ابنائه، وهما ايضاً تهديدان يفسرانِ بطريقةٍ او بأخرى اداءَ كومبارس داخلي – نيابيّ وسياسي – سعى حثيثاً خلالَ جلساتِ انتخابِ الرئيسِ الى فرضِ الفراغ، ويُصرُّ على بقائِه لأمدٍ غيرِ معلومٍ عبرَ طرحِ اسماءٍ مكشوفةِ التنشئةِ وِالمرجعيةِ والبرامج، فيما المطلوبُ الحوارُ ثُمَّ الحوارُ والتواصلُ وفتحُ بابِ الحلِّ لوصولِ رئيسٍ الى بعبدا..
وعن التدخلِ السعودي في لبنانَ من بابِ تعديلِ اتفاقِ الطائف، قالَ نائبُ الامينِ العامّ لحزب الله الشيخ نعيم قاسم اِنه تصرفٌ لا يتناسبُ معَ مصلحةِ اللبنانيين، موضحاً انَ المشكلةَ ليست أساساً في تعديلِ الاتفاقِ أو عدمِه، إنما في تطبيقِ ما وردَ فيه اولاً وبعدَ ذلك يرى اللبنانيون اِن كانَ مطلوباً إجراءُ تعديلاتٍ فيه أم لا..
حياتياً، التحدياتُ مستمرةٌ لا سيما الصحيُّ منها ، وتهديدُ الكوليرا في تفاقم بينَ المناطقِ وسطَ تحذيراتٍ من انتشارٍ غيرِ محمودٍ للاصاباتِ في حالِ عدمِ التدخلِ بازالةِ اسبابِ هذا الوباءِ ومكامنِ تكاثرِه.
في فلسطينَ المحتلة، يُكثِرُ بينامين نتياهو اجتماعاتِه معَ احزابِ اليمينِ لتقاسمِ حقائبِ حكومتِه وسطَ حديثٍ صهيونيٍ عن صعوبةٍ في عمليةِ التفاوضِ على عددٍ من الوزاراتِ الاساسيةِ التي اِن سُلِّمت للمتطرفينَ او بقيت بيدِ الليكود فستكونُ قنابلَ موقوتةً داخلَ حكومةِ نتنياهو.
في عين التينة تُستحضَرُ الأرواح والتمسُّكُ بالمرشّح ميشال معوض عندما يَتِمُ استدعاءُ العفاريتِ السياسية، يُصبحُ أمراً خاضعاً للأخذِ والعطاءِ السياسي وهذا ما أصابَ رئيسَ الحزبِ التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بُعيدَ لقائِه رئيسَ الإنسِ والجِن في دارِ الرئاسةِ الثانية فبعدما رَفَضَ جنبلاط بالأمس ترشيحَ سليمان فرنجية وتَمسَّكَ بمعوّض بدا اليوم على ليونةٍ لافتة عَقِبَ اجتماعِه بالرئيس نبيه بري، قائلاً إنّ مرشّحَنا هو معوّض لكنْ “كمان نحنا مش فريق واحد” فليتداول باسماء غيره وبنشوف قد يكون ميشال احدهم”، والانفتاحُ الجنبلاطي على أسماءٍ أخرى لا يَعني تبديلَ مُناخاتِ جلسةِ الخميسِ المقبل التي أَبقت على ورقتِها البيضاء بالنسبةِ إلى حزبِ الله وحلفائِه وإذا كانَ الخميس سيَخرُجُ فارغاً من رئيسِه فإنّ ذلكَ أيضاً لا يَعكِسُ انتفاءَ النقاش في الأسواقِ الرئاسيةِ المغلقة، وبينَها تَقدُّمُ البحث في اسمِ المرشّح سليمان فرنجية بعدما اختِيرَ للجلوسِ في الصفوفِ الأمامية لمؤتمرِ الطائف بالأمس وإذ فُسّرت هذه الترتيباتُ برتوكولياً لكونِ فرنجية رئيسَ تيارٍ سياسي فإنّ الأمرَ لم يَخْلُ من علاماتِ استفهامٍ سياسية حولَ موقفِ المملكة من ترشيحِه لكنّ أياً من المعطياتِ الرئاسية لن يَشهَدَ تبديلاً في البرمجةِ السياسية حيث أُبلِغَ فرنجية من قِبَلِ الثنائي أنّ جلسةَ الخميس تَسلّمَ على سابقاتِها واليوم جدّدَ بري مواصفاتِه حِيالَ الرئيس، وبينّها أن يكونَ الاسمُ صاحبَ حيثيةٍ إسلاميةٍ ومسيحية ووطنية عاملَ جَمْعِ وليسَ تَفرِقة وقالَ إنه سيدعو إلى جلسةٍ كلَ أسبوع وعلى الأطراف أن تتشاورَ خلالَ الفترةِ الفاصلة بينَ الجلسة والأخرى للوصولِ إلى وفاق هذه المواصفاتُ التي تَبدو مِثاليةً لمرشّحٍ لا نَعرِفُه بعد، معطوفةً على كلامِ البطريرك الراعي عن تعثُّرِ العيشِ المشترك وولاءِ البعض للخارج يَدفعُ نحوَ تأكيدِ أنّ لبنان لن يُتاحَ له انتخابُ رئيس، لا عاجلاً ولا آجلاً ونَستسمِحُ غِبطةَ البطريركِ الماروني أنه أخطأَ في عبارة “البعضُ ولاؤُه للخارج” لأنّ الكلَّ على هذه اللعنةِ الوطنية من دونِ استثناء ولبنان منذُ عامِ ألفٍ وثمانِمئةٍ وستين إلى اليوم، يَستبيحُه إما حُكْمُ القناصل أو حُكْمُ السِفارات أو يَرتمي في أحضانِ الخارج منَ الاحتلالِ التُركي، إلى الانتدابِ الفرنسي، ومن ثُمَّ الحروب وصولاً إلى الفراغاتِ الرئاسية ونِزاعاتِ الموارنة وتدافعهم نحو الرئاسة والمنصب قادهم الى التقاتل بالمدفعيات الثقيلة التي هجرت المسحيين انفسهم واليوم تتكرر المعارك الشخصية والانيانيات وتنذر بفوضى اجتماعية اقتصادية امنية مالية غير دستورية ولا حل لهذه الفوضى سوى باجتماع اربعة مرشحين كبار للتوافق ان لم يكن جلوسا فـ”على الاربعة”.
مؤتمر الأونسكو حرَّك المياه الراكدة للاستحقاقات السياسية:
حزب الله، عبر الشيخ نبيل قاووق، هاجم المملكة بعنف، على خلفية المؤتمر، إلى درجة أنه وصف تدخلاتها بالمسمومة وبأنها تحرّض اللبنانيين بعضَهم على بعض.
في الموازاة، الكلمة المدوِّية لرئيس الإشتراكي وليد جنبلاط، التي استعرض فيها الأجواء والظروف التي أدت إلى الطائف، أخذت خيزًا كبيرًا من ردات الفعل. جنبلاط زار هذا المساء عين التينة والتقى الرئيس بري، وقال بعد اللقاء: مرشحنا ميشال معوض، واتفقنا على ألا يكون هناك مرشحُ تحدٍ.
رئاسيًا وحكوميًا، لا جديد، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يتحرك داخليًا وخارجيًا، وللمرة الثانية بعد انتهاء العهد وبدء الشغور والفراغ، تحرَّكَ خارجيًا، وهذه المرة إلى مصر، بعد الجزائر، للمشاركة في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ.
في الوقت الضائع، العين على استحقاقين: إقليمي ودولي. إقليمي، انتظارًا لِما ستؤول إليه مفاعيل نتائج الأنتخابات الاسرائيلية، والدولي ما ستسفر عنه الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية.
على الرغم من جسامة هذين الاستحقاقين، فإن سقف انشغالات اللبناني: كيف سينقذ نفسه من “البهدلة” إذا بدأت عاصفة الأمطار هذه الليلة، وسببُ الخشية ما ذاقه من بهدلة الأربعاء الفائت، فكيف الاستعدادات اليوم؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، حدث رياضي يٌدخِل الأمل إلى نفوس اللبنانيين على قاعدة أن لا شيء مستحيلًا.
الماضي مهم، لكنَّ الحاضر والمستقبل أهم.
الماضي مهم بإنجازاته، كي نبني عليها، لكنه مهم أيضاً بإخفاقاته، كي نتعلم منها، من أجل الحاضر والمستقبل.
فالحاضر اللبناني، يريده البعض اليوم نسخة طبق الأصل عن إخفاقات الماضي، لا عن إنجازاته، ليعكس مستقبلُنا حتماً صورة أسوأ من ماضينا.
فمنذ زوال الوصاية السورية عن لبنان عام 2005، لم ينتخب أي رئيس لبناني بلا فراغ سابق أو لاحق، ومن دون تدخلات خارجية من كل حدب وصوب، كذلك، لم تشكل أي حكومة من دون أشهر من التأخير، حتى وصلنا أخيراً إلى انهيار اقتصادي ومالي غير مسبوق، نعجز عن تخطيه حتى الآن بسبب انعدام القدرة على اتخاذ قرار.
ويأتينا اليوم، لبنانيون يزايدون برفض البحث عن حلول. والحلول المطلوبة من الشعب اللبناني اليوم لا تعني إطلاقاً، انقلاباً على الطائف، بل تطبيقاً كاملاً له، بلا استنسابية أو انتقاء، ولا تعني ابداً انقضاضاً على الدستور، بل تطويراً له، حيث يلزم، وهذا منطق لا ينبغي أن يختلف عليه لبنانيان، هذا طبعاً إذا وضعنا عادة الهرب إلى الأمام أو طمر الرؤوس في الرمال أو التملق التي يتقنها بعض السياسيين جانباً، ولو إلى حين، فهكذا، وهكذا فقط، يمكن لحاضرنا أن يكون أفضل من الماضي، ولمستقبلنا أن يصبح أفضل من ماضينا وحاضرنا معاً.
هذا في المبادئ العامة. أما في اليوميات، فالسجال حول اشكال ال أم.تي.في. إلى انحسار، والجدل حول الطائف ومدلولات منتدى الأمس إلى استمرار، أما التشريع فإلى مزيد من المراوحة، وانتخاب الرئيس إلى مزيد من التأجيل. مع تسجيل زيارة مسائية قام بها اليوم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لرئيس مجلس النواب نبيه بري، معلناً بعد اللقاء الاتفاق بين الجانبين على نبذ فكرة مرشح التحدي. غير ان تفسير تلك العبارة متروك للآتي من الأيام، مع ما يمكن أن تؤشر إليه من احتمالات واحتمالات مضادة.