رئيس لبناني يشارك في قمّة الجزائر العربيّة!

/ جورج علم /

عاد الرئيس شارل حلو في 23 أيلول 1970 من قاعة القمّة العربيّة في القاهرة، ليسلّم مقاليد الرئاسة إلى الرئيس المنتخب سليمان فرنجيّة، حيث توجّه الأخير على الأثر إلى القاهرة لتمثيل لبنان في أعمال القمة. فهل سيسلم الرئيس ميشال عون مقاليد الرئاسة إلى رئيس منتخب قبل 31 الجاري، ليمثّل لبنان في أعمال قمة الجزائر العربيّة في الأول والثاني من تشرين الثاني المقبل؟

هناك رغبة حملها الى بيروت قبل أيام الأمين العام المساعد بجامعة الدول العربيّة، السفير حسام زكي، الذي تمنّى على من التقاهم، ضرورة تخطّي الانسداد السياسي، وانتخاب رئيس قبل 31 الجاري، يمثّل لبنان في أعمال القمة العربية في الجزائر.

شدّد زكي على نقاط ثلاث:

  • وجود تعاطف عربي كبير مع لبنان لجهة احترام الاستحقاقات الدستوريّة في مواعيدها، وانتخاب رئيس، وفتح الأبواب الموصدة بسلاسل النكد السياسي، أمام الفرص المتاحة عربيّاً ودوليّاً لمساعدته على الخروج من أزمته، والبدء بمسار النهوض، والتعافي. و”كما تمكّنتم من إجراء الإنتخابات النيابيّة في مواعيدها منتصف أيار الماضي، باستطاعتكم إحترام المواعيد الدستوريّة، وانتخاب الرئيس”.
  • إن قمّة الجزائر توفّر مناسبة إستثنائيّة للبنان كي يعود إلى الحضن العربي كريماً، معزّزاً، ومن البوابة الرئيسيّة. ومن مصلحته العليا أن يبدأ الرئيس المنتخب عهده بلقاء الملوك، والرؤساء، والأمراء العرب، ويدشّن عهده بمسار الإنفتاح على الدول الشقيقة والصديقة.
  • إن أهميّة القمة، من حيث المكان، والتوقيت، وجدول الأعمال، تحتّم مشاركة لبنانية كاملة المواصفات، لا عيب فيها، ولا نقص، ولا غبن، نظراً لدقّة الظرف العربي، الإقليمي، والدولي، وتعاظم جبل التحديات.

وكانت الجزائر العاصمة، قد فتحت الأبواب أمام القمّة كي تستأنف ديناميتها بعد إنقطاع إستمر ثلاث سنوات بسبب جائحة كورونا، وأسباب أخرى. ويلعب الرئيس عبد المجيد تبون دوراً استثنائيّاً، لنفح روح منشّطة في جسد الإجماع العربي المترهل، في محاولات منه لسدّ الثغرات، والعمل على تجاوز العديد من العقبات، ووضع مصير العمل العربي المشترك في رأس الأولويات، بالتزامن مع ما يجري من تحوّلات كبرى، إن على مستوى الدول صاحبة القرار والنفوذ في مجلس الأمن الدولي، أو على مستوى الإقليم، والعالم العربي، وهو ما يستدعي من القادة كل اهتمام جدّي، ومسؤوليّة متجرّدة.

وكان الرئيس الجزائري قد مهّد الأجواء برعايته المصالحة بين الفصائل الفلسطينيّة في 13 الجاري، حيث وقّعت الفصائل الـ 14 المشاركة، ومن بينها “فتح”، و”حماس”، بالأحرف الأولى، على وثيقة “إعلان الجزائر”، في “قصر الأمم”، وهو “القصر الذي أعلن منه رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة ياسر عرفات في 15 تشرين الثاني 1988 قيام الدولة الفلسطينيّة”، كما أشار الرئيس تبون.

وبقدر ما يحمل جدول الأعمال من بنود مهمّة تتصل بصلب العمل العربي المشترك أولاً، بقدر ما تحمل المستجدات الإقليميّة، والدوليّة من حوافز تملي على القمّة وجوب التصدّي لها، وأولها ضرورة وضع حدّ للفواصل، والحواجزالمصطنعة التي تباعد بين الدول والكيانات العربيّة، وتحولها إلى جزر، ومربعات، لكل منها خصوصيته، وهذا ما يشرّع الأبواب وسيعة أمام الضغوط، والتدخلات الخارجيّة في الشؤون العربيّة السياديّة.

وثانياً، إمكانيّة العمل وفق إستراتيجيّة موضوعيّة واضحة وهادفة، لحماية الثروات العربيّة، خصوصاً الغازيّة والنفطيّة، وضرورة التنبّه للمحاولات الراميّة إلى زجّ موارد الطاقة في صراع المحاور، وتوظيفها في خدمة مصالح بعض المتورطين في الحرب الأوكرانيّة، وما أفرزته من تداعيات خطيرة في الأسواق العالميّة، ومن إنعكاسات مباشرة بدأت تتأثر منها المجتمعات الغربيّة التي كانت تتغنّى بالوفرة، والبحبوحة، ورغد العيش.

وثالثاً، اليقظة، والتنبه للمحاولات الراميّة إلى “شرذمة” العالم العربي، و”تفتيت” مقوّمات وحدته، وصموده، في ظل المتغيّرات الجيو ـ سياسيّة الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وصراع الأحلاف، والمحاور، وبحث السبل والوسائل الممكنة لرصّ الصف العربي، ووضع خريطة طريق، من شأنها ـ إذا ما نفّذت ـ أن تعيد للجامعة العربيّة دورها، ومكانتها، ليس على مستوى الإقليم، بل أيضاً على مستوى القضايا الكبرى المطروحة في العالم، والمتصلة بالطاقة، والبيئة، وتغيير المناخ، والأمن الاجتماعي، والاقتصادي، والغذائي، والمشاركة في الإصلاحات المطلوب إدخالها على منظمة الأمم المتحدة، وتحديث صلاحياتها، ودورها المستقبلي الضامن للسلم الكوني.

وفي عودة الى المربع اللبناني، يُستنتج من الحركة الدبلوماسيّة بأن الجامعة العربيّة، بشخص أمينها العام أحمد أبو الغيط، ومساعده حسام زكي، ليست وحدها الحريصة والمهتمّة بانتخاب رئيس قبل 31 الجاري، ودخوله من الباب الواسع إلى محراب القمّة العربيّة، بل هناك دول عربيّة وازنة، من مصر إلى المملكة العربيّة السعوديّة إلى الجزائر ودول مجلس التعاون الخليجي، تنشط بدبلوماسيّة وراء الكواليس، لإنجاز الإستحقاق الدستوري في موعده، وانتخاب رئيس ليس لتفادي الفراغ، وإنعكاساته ـ وهي خطيرة ـ بل لمحاولة “إنجاح” عودة لبنان إلى العالم العربي، وعودة العالم العربي إلى لبنان، والمساهمة في ورشة إنهاضه، وإعادة بنائه!