“الطاولة السويسرية” عمرها سنتان… وهذه قصّتها

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

لا حاجة لمن يبلغ السعودية أو فرنسا أو حتى الولايات المتحدة الأميركية، بأنّ اتفاق «الطائف» معتلّ. الاعتلال وقع منذ تسييل «وثيقة الوفاق الوطنيّ» وانتقالها من الورق إلى التطبيق. أهمل الكثير من البنود، وتحوّر بعضها، فيما أظهرت الممارسة الجانب التعطيلي من الاتفاق على حساب الجانب المنتج.

ولا داعي للإنكار أنّ الإتفاق بعد أكثر من ثلاثة عقود على وضعه، بات يحتاج إلى مراجعة نقدية، تطوّره، تحسّنه وتعيد إليه الروح الإنقاذية، بعدما صار «تقّالة» على المؤسسات الدستورية. ولا بدّ بالتالي من جلوس اللبنانيين إلى طاولة مستديرة يلقون عليها، ودفعة واحدة، كل هواجسهم ومخاوفهم وتطلّعاتهم. وبالتالي لكل مشروع، خطوة أولى.

ومع ذلك، تبدي السعودية، ومعها بعض الأطراف اللبنانية، حرصاً شديداً على الإتفاق، لتحيل تمسّكها به، شرطاً أساسياً لعودتها السياسية إلى لبنان من باب إبقاء التوازنات الداخلية على حالها لا سيما في ما خصّ السلطة التنفيذية.

ولعلّ هذا الاعتبار، قد يكون واحداً من الأسباب التي أملت على السفير السعودي وليد البخاري، بالتكافل والتضامن مع «القوات»، بالتصويب على العشاء – الحوار الذي قررت السفارة السويسرية رعايته بين مجموعة من السياسيين الحزبيين والمستقلين، نظراً لحرص بلادها على استقرار لبنان وعافيته السياسية، وهي التي سبق أن أدّت أدواراً إيجابية في هذا الصدد، مع العلم أنّ الجهة المشرفة على المشروع الحواري، وهي منظمة «هيومن دايلوغ» عملت طوال الفترة التحضيرية للمشروع على إحاطته بجدار من السريّة والكتمان من باب حمايته وإنجاحه.

فكيف ولدت تلك الفكرة؟

يقول المتابعون إنّ هذه المنظمة تتعاطى الحوار السياسي في أكثر من 40 دولة، ولها خبرة طويلة في هذا المجال، مشيرين إلى أنّها بدأت نشاطها في لبنان منذ العام 2017، وهي انكبّت على هذا المشروع منذ أكثر من سنتين بعدما أجرت جولة موسّعة من الاجتماعات شملت مختلف الأطراف اللبنانية، الرسمية وغير الرسمية، بلغت شخصيات من المجتمع المدني وعاملين في الشأن العام. وكانت خلاصة تلك اللقاءات الثنائية، أنّ هناك حاجة ماسة لإطلاق طاولة حوار سياسي لا تستهدف الإطاحة باتفاق «الطائف» أو نسفه أو تفريغه، لا بل تهدف إلى البحث في كيفية تطبيق كامل بنوده لا سيما تلك غير المطبّقة، وضمان استقرار لبنان على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية وحتى الدولية.

ويتردّد أنّ مسؤولي المنظمة أجروا أكثر من 70 اجتماعاً ولقاء وذلك قبيل الانتخابات النيابية تناولت بشكل خاص البحث في أي لقاء حواري يجب أن يتمّ للمساهمة في وضع حدّ لحالة التدهور الحاصلة. وقد تمنّى معظم من التقتهم المنظمة تأجيل المشروع إلى ما بعد الاستحقاق النيابي وما يمكن للمشهدية الديموقراطية أن تفرزه بعد فتح صناديق الاقتراع.

على هذا الأساس أعادت المنظمة تحريك مولّداتها بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية، فأعادت تفعيل جسور التواصل مع مختلف القوى السياسية وبعض الشخصيات المستقلة، للاتفاق على موعد محدد للانطلاق في ورشة حوارية «طويلة النفس» برعاية الدولة السويسرية التي قررت استضافة الحوار فيما تولّت منظمة «هيومن دايلوغ» رعاية هذا المشروع.

في الواقع، يقول المتابعون إنّ المنظمة حرصت على إبعاد حركتها عن الضوضاء الإعلامية منعاً لاحتراق «الطبخة» أو تحميلها أكثر مما تحتمل، خصوصاً أنّه مسار طويل قد يتطلب عشرات الاجتماعات واللقاءات بين المجموعة المقترحة للحوار، والذي كان مخططاً له أنّ يحطّ رحاله في نهاية المطاف في مجلس النواب ليكتسب صفة رسمية اذا ما حصل الاتفاق عليه.

ويضيف هؤلاء أنّ القائمة الموزعة للأسماء المرشحة للحوار، لم تكن دقيقة بالكامل، كونها تضمّ أسماء إضافية منها مثلاً الوزيرة السابقة ريا الحسن التي اختيرت نظراً لخبرتها المالية والإدارية ولكونها شاركت في العديد من اللقاءات الحوارية.

ويؤكدون أنّ المنظمة لم تتدخل لا في الأجندة الحوارية ولا في مساراتها، ولا في بنودها. وهي تكتفي بدورها التسهيلي، ولم يكن ذا نوايا تخريبية لا سيما بحق اتفاق «الطائف» والمؤسسات الدستورية. ولهذا، يعتقد أحد المشاركين المؤيدين للمشروع، أنّ الإجهاز على المحاولة لم يكن في محله ولا يبرره إلّا التوتر الحاصل في العلاقة الأميركية – السعودية، والأرجح انزعاج السعوديين من إبعادهم عن الاتفاق الحدودي الذي تولّت واشنطن حياكته بمعزل عن شركائها في الملف اللبناني.

في الخلاصة، المشروع لا يزال قائماً، لم يتعطّل وإنما تأجّل لبعض الوقت إلى حين استكمال النقاش وتوضيح الإلتباسات التي أثارها سواء بالنسبة إلى بعض القوى المحلية أم الاقليمية.