يد “الحزب” على الزناد: التصعيد “الإسرائيلي” مناورة أم إعلان حرب؟

/محمد حمية/

فاجأ الكلام الإسرائيلي التصعيدي، المُسرب من الاجتماع الاستثنائي للمجلس الوزاري المصغر، حول ملف ترسيم الحدود، الأوساط اللبنانية، وأحدث موجة من القلق والخوف في المستوى الشعبي لجهة عودة مناخ الحرب العسكرية الى الواجهة، والإرباك في المستوى الرسمي حيث تناوب الفريق التفاوضي على إطلاق التصريحات التي تحمل إشارات التطمين الى أن الموقف الإسرائيلي لن يؤثر على مسار الاتفاق، ويقتصر على رفض بعض الملاحظات اللبنانية على المقترح الأميركي، وأنه ينطلق من حسابات انتخابية إسرائيلية داخلية.

في قراءة الكلام الإسرائيلي، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:

* لم يصدر عن “الكابينت” الإسرائيلي أي موقف رسمي وعلني من الاتفاق، بل بقي في اطار الغموض واستخدام لغة المصادر والتسريبات.

* لم تؤشر التصريحات الإسرائيلية، المنقولة وغير المنقولة، على نية لنسف الاتفاق الترسيمي مع لبنان.

* لم يحدد رئيس حكومة الاحتلال بكلامه موعد استخراج الغاز، واقتصر قوله على التالي: “سنستخرج الغاز من كاريش في أقرب وقت ممكن”، ما يفقد قيمة تهديده التالي: “سنوقف مفاوضات الحدود البحرية إذا استهدف حزب الله حقل كاريش”. بينما موقف حزب الله أنه لن يستهدف كاريش إذا لم يبدأ الإسرائيلي استخراج الغاز قبل توقيع التفاهم الاقتصادي.

* استنفار لافت للإعلام الإسرائيلي بنقل وإبراز تهديدات المسؤولين الإسرائيليين بالحرب، في اطار الحرب النفسية والاعلامية، كإعلان “يديعوت أحرونوت” أن “إسرائيل وضعت سيناريو عملية استباقية لمنع أي هجوم من جانب حزب الله”.

يبدو واضحاً أن حكومة لابيد محرجة ومربكة، وتتخبط في ظل انتخابات مقبلة ستكون قاسية وحاسمة، وتحاصرها معارضة شرسة يترأسها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو يتوثب للقفز إلى كرسي الحكومة، ويتوعد بنسف اتفاق الترسيم. وهذا دفع حكومة لابيد الى مناورة سياسية ـ إعلامية، بالتزامن مع مناورة عسكرية ذات أهداف وأبعاد انتخابية.

فحكومة العدو تقدم نفسها للرأي العام الإسرائيلي على أنها تصعد ضد لبنان وحزب الله، وأنها لم تتنازل عن “حقوق السيادة والمصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية”، مع اظهار الجهوزية للحرب لرفع معنويات المستوطنين الإسرائيليين وكسب تأييدهم في الانتخابات المقبلة، وسحب ورقة ابتزازها من يد نتنياهو ومنعه من استثمار ملف الترسيم في الانتخابات.

وبانتظار تبلور الموقف الرسمي اللبناني من التصعيد الإسرائيلي، بدا موقف المسؤولين مربكاً أيضاً، وحمل تصريحات متناقضة استبطن بعضها مخاوف من نسف المفاوضات والاتفاق برمته. فمن جهة يطمئن نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بأن الوسيط الأميركي سيتدخل للجم التصعيد الإسرائيلي ويعيد الأمور الى نصابها ومسارها الصحيح، ويشدد اللواء عباس إبراهيم على أن لبنان غير معني بالتصريحات الإسرائيلية وأنها لن تؤثر على مسار الاتفاق. ومن جهة ثانية، نُقل عن مصدر لبناني لم يكشف عنه، تساؤله: “هل أن الكلام الإسرائيلي نهائي أم قابل للتفاوض؟”، ما يعبر عن خفة وجبن وضعف في الرد على التصعيد الاسرائيلي.

بعكس التصريحات الرسمية، فإن أصواتاً سياسية وإعلامية وشعبية خرجت لترفع سقف التحدي في وجه الإسرائيلي، الى حد تطيير الاتفاق والعودة الى صفوف الحرب، وأعادت الحديث عن الخط 29، وأن لبنان تنازل عن حدوده وحقوقه الى الخط 23 الذي يشكل تنازلاً كبيراً للعدو.

ماذا عن موقف حزب الله؟

وفق مطلعين على موقف حزب الله، فإنه ينتظر موقف الدولة، وينطلق في تحديد موقفه من هذا الملف من ثابتتين:

* تحديد الحدود والخطوط والحقوق، ويقف هنا خلف الدولة.

* ضمان الحقوق، وهنا لا ينتظر قراراً من أحد.

وبالتالي فإن القرار حاسم لدى قيادة المقاومة أنه إذا أقدم العدو على استخراج الغاز من كاريش أو ما بعد بعد كاريش، قبل توقيع التفاهم مع لبنان، فالمقاومة ستتدخل بخطوات عسكرية تدريجية حتى ردع العدوان، لأن إسرائيل في هذه الحالة تكون قد اعتدت على السيادة اللبنانية باعتدائها على مياهه الإقليمية الخالصة والتنقيب فيها واستخراج الغاز منها.

فإذا كانت التصريحات الإسرائيلية مناورة، فإن حزب الله بادر فوراً لرسائل إعلامية مضادة تعكس الاستنفار العسكري على الحدود، لتوجيه تحذير صريح للإسرائيلي والأميركي، بأن اليد على الزناد. وإذا كان الإسرائيلي جدياً بتهديداته، فالحزب أكثر جدية، ولا يناور ولا يمزح بحقوق لبنان وسيادته وثرواته التي تشكل خشبة الإنقاذ والخلاص الأخيرة في بلد تتلاطمه العواصف.