خفايا وأهداف اجتماعي “الدار” و”السفارة”.. ملائكة الحريري حاضرة!

/محمد حمية/

لم يكُن توقيت لقاءي النواب السنة، في دار الفتوى والسفارة السعودية، عشية الدخول بالشهر الثاني من المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي، محضُ صدفة، فلقاء الدار الذي حشد له المفتي عبد اللطيف دريان منذ أسابيع، وكذلك لقاء السفارة، يحملان في طياتهما جملة أهداف سياسية.

في الظاهر نجح المفتي دريان في جمع أكبر عدد من النواب السنة من مختلف الانتماءات والأحزاب السياسية تحت راية الدار، في مشهد غير معهود حتى في زمن الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي لم يستطع، رغم نفوذه وقوته الداخلية والخارجية، من جمع كافة النواب السنة “تحت جناحه”.

لكن وقائع الاجتماع الذي ضم 24 نائباً من أصل 27، خالفت المشهد المصور للاعلام ومضمون البيان الختامي، فوجه عدد من النواب أسئلة وتحفظات واعتراضات بالجملة للمفتي دريان حول السياسات المتبعة بدار الفتوى تجاه الاستحقاقات والقضايا السياسية والوطنية، لكن الاعتراض جاء من نواب من مختلف الاتجاهات على البيان الختامي الذي قال النواب إن دريان أعده سلفاً وأراد منهم الموافقة والتوقيع عليه.

وإذ حاول دريان ملء فراغ الساحة السنية باللقاء الجامع والمواقف المناسبة، بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري عن الحياة السياسية، حضر الحريري في الدار عبر ملائكته التي تجسدت ببعض نواب “تركته” في المجلس النيابي، والذين أسمعوا دريان بأن الزعامة السياسية لاتزال في “بيت الوسط”، وإن كانت الزعامة الروحية عند مفتي الدار.

وفيما جاء بيان المجتمعين متوازناً لجهة مقاربته للملفات الداخلية من دون استفزاز لأي جهة سياسية أو انحياز لفريق دون آخر، بقي في اطاره الشكلي لا العملي، فبعيداً عن عناوين البيان، لم يخرج الاجتماع باتفاق واضح على الاستحقاقات الأساسية كالحكومة ورئاسة الجمهورية وعكس استمرار الخلاف بين ممثلي الطائفة السنية في البرلمان، بين حلفاء حزب الله وسوريا وبين قوى محسوبة على السعودية وبين أخرى وسطية تضع نفسها في خانة القوى التغييرية والمستقلة.

وإن كان اجتماع النواب تحت راية دار الافتاء مشهداً طبيعياً، إلا أن المشهد غير المألوف هو اجتماع عشرين نائباً في سفارة دولة خارجية عشية استحقاقات سيادية، بمعزل عن السبب والأهداف.

فقد تمكن السفير السعودي وليد بخاري من جذب ثلثي النواب السنة زائداً واحد، وكان لافتاً تشكيلة الحضور المتنوعة، فحضر نواب من فريق 8 آذار وحلفاء المقاومة وسوريا (حسن مراد، وليد البعريني) ومن كتلة التنمية والتحرير (قاسم هاشم) ومن قوى التغيير (عبد الرحمن البزري)، فضلاً عن النواب السنة المعارضين كاللواء أشرف ريفي وفؤاد مخزومي. مع تسجيل مقاطعة النواب أسامة سعد وابراهيم منيمنة وحليمة قعقور الاجتماعين معاً.

لكن اللافت في اللقاءين غياب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وإن صادف وجوده خارج لبنان، لكنه غير مدعو بصفته رئيس حكومة، كما غاب نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي يضم (فؤاد السنيورة وتمام سلام والحريري الى جانب ميقاتي، والذي لم ينضم إليه حسان دياب)، ما يعني عملياً نعي رسمي للنادي الذي شكل مرجعية سنية أساسية ووحيدة في مراحل سابقة، لصالح تعويم دور دار الفتوى، واستعادة السعودية لدورها في قيادة السنة في لبنان التي انكفأت عنه في العام 2016 بعد انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية واحتجاز الحريري في العام 2017.

ما هي أهداف السفير السعودي بجمع النواب السنة في السفارة الذي كان منسقاً مع اجتماع دار الفتوى؟

* تعزيز دور الطائفة السنية في لبنان في المعادلة الداخلية، بعد التصدعات التي أحدثها “زلزال” تعليق الحريري لمشاركته في الحياة النيابية والسياسية، وتشظي النواب السنة في الانتخابات النيابية الأخيرة بين توجهات متعددة، وذلك عبر تأمين مظلة سياسية وطائفية لاتفاق الطائف، استباقاً لأي ظروف سياسية واجتماعية وأمنية قد تفرض “مؤتمراً تأسيسياً أو تغييراً في النظام السياسي القائم قد يكون على حساب السنة.

* اراد السفير السعودي الايحاء بأنه يتحكّم بثلثي النواب السنة اللبنانيين، كرسالة لقيادته في المملكة بأن الأخيرة تملك “مونة” على أكثرية الطائفة السنية في لبنان، بعدما جاءت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة مخيبة لآمال السفير ومعاكسة لوعوده لقيادته بأن الفريق المحسوب على المملكة سيحصد الأغلبية النيابية.

* رسالة الى جميع اللاعبين في ملعب رئاسة الجمهورية، بأن السعودية شريكة أساسية في انتخاب رئيس الجمهورية، بامتلاكها إدارة ثلثي النواب السنة زائداً واحداً، يمكن إضافتهم الى نواب كتلة “القوات” و”الكتائب اللبنانية” وجمعٌ مع التغييريين وقوى أخرى ليشكلوا جبهة نيابية وازنة، ما يحول السعودية الى جهة يجب مفاوضتها أميركياً وفرنسياً ولبنانياً، في الاتفاق على إسم الرئيس المقبل.