ما إن صدح صوت سيارة الإسعاف في الشارع الرئيسي في نهر البارد، أمس، حتى ركضت الحشود خلفها ظنّاً منها بأنها تحمل بعض جثامين الضحايا الذين غرقوا في مركب طرطوس.
منذ ساعات الصباح، جلس الجموع على جانبَي الطريق المحفّرة. استظلّوا بالمباني التي لم يُعَد بناؤها برغم مرور 15 عاماً على انتهاء الحرب التي شهدها المخيم، وتبادلوا أسماء حوالي 37 شخصاً كانوا على متن المركب.
حتى مساء أمس، حسم مصير 24 منهم في عداد الموتى وثلاثة في عداد الناجين. لكن هذا ليس كلّ شيء.
هناك مجموعة أخرى غير محدّدة أبحرت على مركب آخر انطلق في الوقت نفسه مع المركب الغارق، ما يرفع عدد الركاب من نهر البارد في المركبين إلى 70 شخصاً. “فأين أبناؤنا؟ في أيّ مركب؟ وهل هم مفقودون أم أحياء أم عبروا المياه الإقليمية باتجاه أوروبا؟” يقول أحدهم.
الهجرة غير الشرعية ليست غريبة على المخيم. منذ عقود، وبسبب كلّ الظروف المعروفة التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون، غادر المئات براً نحو أوروبا، قبل استحداث مسار البحر. لكن هذا الموت الجماعي ثقيل جداً.
“إنها النكبة الثالثة لنا بعد نكبة فلسطين عام 1948 ونكبة 2007 بتدمير المخيم خلال حرب الجيش اللبناني على الإرهابيين” يقول أركان بدر، عضو قيادة الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين. يستعرض القهر بالجملة. عائلات قضت بأكملها كآل إسماعيل وآل حسن.
من بين الجموع التي تنتظر جثامين الغرقى، انبرى كثر للتأكيد أنهم لن يتوقفوا عن الهرب نحو البحر. ينهرهم علي الذي عاد قبل شهر مرحّلاً من قبرص التركية بعد فشل رحلتهم. “بعت كل شي وعدت إلى ما دون الصفر. لكن البحر غدّار. لن أكرّرها. كدت أموت، بل متُّ بالفعل”.