اضراب المصارف مستمر: من المستفيد.. وأين تذهب أموال “صيرفة”؟

/محمد حمية/

لليوم الخامس على التوالي تواصل المصارف اقفال أبوابها، في إطار الاضراب الذي أعلنته جمعية مصارف لبنان، احتجاجاً على عملية الاقتحام التي تعرض لها عدد من المصارف في مناطق عدة الأسبوع الماضي.

قد يكون لهذا الاضراب مبرراته الأمنية، وتحديداً سلامة وأمن الموظفين، لكن ما يُثير الاستغراب هو أن المصارف لم تلتزم بالمدة التي حددتها لنفسها بالإضراب لثلاثة أيام، الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ما يطرح تساؤلات عدة حول التعسف باستعمال هذا الحق الممنوح لأي مؤسسة بالتوقف عن العمل وفق القوانين المرعية الاجراء، أكان في القطاع العام أو الخاص. ما يعزز الشكوك أكثر  بصدقية عملية اقتحام المصارف وأهدافها التي صبّت، بقصد أو بغير قصد، في مصلحة مصارف لبنان التي توقفت عن تزويد عملائها بالدولارات وفق التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، وكذلك بالليرة اللبنانية، وتداولات منصة صيرفة، ما يمنحها فرصة لحماية السيولة بالدولار والليرة لديها، وتحقيق أرباح عبر استخدام هذه الأموال في عمليات مالية خارجية.

مدّدت جمعية المصارف الاضراب تلقائياً، بذريعة فشل الاتفاق مع وزارة الداخلية وقادة الأجهزة الأمنية لـتوفير الحماية الكاملة لفروعها وموظفيها على كامل الأراضي اللبنانية، من دون أن تكترث للتداعيات السلبية لقرارها على مصلحة المواطنين وسير معاملاتهم المالية والمصرفية اليومية.

هل يحق للمصارف الاضراب لهذه المدة؟ ولماذا لم تتعهد الأجهزة الأمنية بتأمين الحماية للمصارف؟ هل السبب يتعلق بالإمكانات أم بالقرار السياسي؟

يؤكّد خبراء قانونيون أن قرار المصارف بالإضراب المفتوح مخالف للقوانين، فهناك عقود تربط المصارف بالمودعين، ولا يجوز للمصارف الإضراب على نحو تمتنع عن تنفيذ موجباتها القانونية والعقدية، ومن واجب قاضي الأمور المستعجلة، بناء على طلب أصحاب المصلحة والصفة المتضررين، اتخاذ القرار بإلزامها بفتح أبوابها أمام المودعين.

كما يمكن، في حال امتناع المصارف عن تنفيذ قرار قاضي العجلة، أن يتولّى مصرف لبنان إدارة هذه المصارف عبر انتداب من يشاء من موظفيه لهذه  المهمة.

من المستفيد من الاضراب؟ وكيف تلبي المصارف حاجات التجار والمستوردين للدولار للقيام بعمليات الاستيراد من الخارج؟ ومن يشغل منصة صيرفة التي بلغ حجم التداول عبرها اليوم ستة وثلاثون مليون دولار أميركي، علماً أن الدولار المتداول على صيرفة يتم عبر المصارف التي يفترض أنها عملت واشترت الدولار لصالح عملائها؟!

المعلومات تشير الى أن التداول بمنصة صيرفة لا يتم عبر فروع المصارف، بل عبر الصراف الآلي الموجود على مداخل المصارف، فيما يقال إن المصارف توفر الدولارات لكبار التجار والمستوردين الذين يملكون حسابات لديها، وذلك بـ”طرق متعددة”.

فهل يسمح القانون للمصارف بالاستنسابية في التعامل مع عملائها وتفضيل عميل على آخر، بين تاجر ومستورد ونافذ وبين “زبون” يملك بضعة دولارات؟!

جمعية المصارف، وفي متن بيانها الأخير استثنت مصرف لبنان وبعض المعاملات من قرارها بالإضراب، ما يعني أنها استمرت أيام الإضراب بأخذ الدولارات “الطازجة” من المصرف المركزي بشكل طبيعي واعتيادي، فأين تذهب بهذه الدولارات إذا كانت لا تُشغّل على منصة “صيرفة” ولا تزود العملاء بها؟ وهل تستخدم هذه الدولارات بعمليات المضاربة في السوق السوداء؟

أسئلة عدة لا تجد أجوبة لها في بلد متعدد مراكز القوى والحكم، وأبرز هذه القوى “حكم المصرف” الذي يتغلغل في داخل الدولة ومؤسساتها، ويتصرف فوق القوانين والمصلحة الوطنية. ما يعزز الشكوك بأن تكون جولة اقتحام المصارف الأخيرة، قد تكون منسقة مع المصارف، لتكون مبرراً لإقفال أبوابها أمام العملاء حتى تتحرر من ضغوط واستحقاقات عدة.

وليس محضُ صدفة تزامن عمليات اقتحام المصارف وقرار الاضراب، مع وجود بعثة صندوق النقد الدولي في لبنان التي تتبنى الكثير من الخطط والقوانين التي تلقى اعتراض المصارف، كـ”الكابيتال كونترول” والسرية المصرفية وخطة التعافي التي تبنتها الحكومة الحالية والتي تحمل المصارف الجزء الأكبر من الخسائر. فهل تريد المصارف التموضع وتجميع أوراق التفاوض تمهيداً للمعركة المقبلة؟

هل تستمر المصارف على موقفها؟ وهل يحتمل الواقع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان التداعيات؟ ماذا لو حلّ مطلع الشهر المقبل وآن أوان صرف رواتب الموظفين ووجدوا أبواب المصارف مقفلة؟ وما مصير منصة “صيرفة”؟ وهل يبقى سعر صرف الدولار على حاله؟