/غاصب المختار/
إحترفت الطبقة الحاكمة تضييع الوقت وتفويت الفرص الانقاذية، لا لسبب سوى حفظ مصالحها، ولو تفاقمت خلافاتها الضيقة، السياسية والطائفية، وانعكست شللاً في البلاد وتراجعاً دراماتيكياً خطيراً في أوضاع الناس المعيشية… وهكذا ضاعت خلال السنوات الثلاث الماضية فرص الاصلاح المالي والاقتصادي بكل تفاصيله، وفرص تحفيز الاقتصاد والنمو، وترسيم الحدود البحرية، كما ضاعت قبلها سنوات في مماحكات انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل الحكومات. ما يؤكد مقولة الناس العاديين اليومية إن هذه الطبقة السياسية “مش سائلة عن المواطن”.
ينشغل السياسيون هذه الأيام بترتيب وتحسين وتحصين مواقعهم، تمهيداً لخوض الانتخابات الرئاسية، ترشيحاً وتصويتاً، فتجري مساعٍ واتصالات ولقاءات حثيثة لتكوين تحالفات وتجمعات وتكتلات نيابية وسياسية، مُطعّمة بـ “دوز” طائفي عالٍ، بحيث ستتكون، الى جانب الاصطفافات السياسية لإختيار الرئيس العتيد، اصطفافات طائفية، كمثل ما يجري لدى القوى المسيحية (الماورنية تحديداً)، ولدى الطائفة السنّية، من تجميع كتل متفرقة ومستقلين، لتكوين قوة ناخبة مؤثرة لدى كل طائفة، بينما القوة السياسية الشيعية متأطرة في “حلف مقدس” لا فكاك منه، وتأثيرها الانتخابي واضح عبر ثلاثين نائباً (27 نائباً شيعياً وثلاثة حلفاء في الكتلتين).
تسعى “القوات اللبنانية” عبر اتصالاتها الى تكوين أكثرية من 67 نائباً كما يقول سمير جعجع، معظمهم من المسيحيين (الكتائب وميشال معوض وسواهما من مستقلين مسيحيين) مع “تلوينة” غير مسيحية من نواب التغيير والمستقلين، وهو قطع شوطاً غير بعيد في التحالف مع بعض النواب السنّة (أشرف ريفي وفؤاد مخزومي)، ولم ينجح حتى الساعة في تأطير النواب الآخرين ضمن اكثرية النصف زائد واحد من عدد نواب المجلس، فكيف سيجمع أكثرية الثلثين؟
الأمر ذاته ينطبق على “التيار الوطني الحر” و”التكتل الوطني المستقل” (سليمان فرنجية وحلفائه الثلاثة)، وحزب “الطاشناق” الذي يُغرّد في سرب آخر أقرب الى الرئيسين ميشال عون ونبيه بري مع حفظ مسافة ولو قصيرة لنفسه. وهنا تبدو مشكلة هذه التيارات الثلاثة أعقد من غيرها، فما يمكن أن يجمعه جعجع يبقى أكثر مما سيجمعه “التيار” وفرنجية، ما لم يقرر ثنائي “أمل” و”حزب الله” دعم فرنجية للرئاسة ويسعى لتوفير العدد الكافي من الاصوات له. فيبقى “التيار” وحيداً نتيجة خلافاته مع أكثرية القوى السياسية.
يتضح من تحركات القوى السياسية انها معركة نصاب بالدرجة الاولى لإنتخاب رئيس للجمهورية، سواء نِصاب تعطيل جلسات الانتخاب أو تأمينه، أكثر مما هي تحديد مواصفات ومعايير وشروط وبرامج.
ومع تزايد المرشحين للرئاسة المعلنين رسمياً منهم (ثلاثة حتى الآن) وغير المعلنين رسمياً، يتضح أن السباق الرئاسي سيكون “على المنخار”، حيث ستتشتت أصوات الكتل النيابية ما لم يتم حصر السباق عملياً بين مرشحين اثنين او ثلاثة على ابعد تقدير، ليبقى الجهد اللاحق منصباً حول تجميع عدد الاصوات اللازمة لإنجاحه.