〉 جورج علم 〈
“طرف أيلول بالشتي مبلول، فكيف إذا كان البلل مطلع أيلول؟!”.
أول الغيث، طلب السفير السعودي وليد البخاري، من الحكومة، تسليم المعارض علي هاشم إلى سلطات السعودية.
الطلب معزّز بحجج قانونيّة، وتفرضه خصوصيّة العلاقات بين البلدين. وقد بدأ التشاور على أرفع المستويات للتفاهم على المخرج، نظراً لدقّة الظرف، وحساسيّة الموضوع، والحسابات المتضاربة، غير المتجانسة، إنطلاقا من:
- التهديدات التي أطلقها المتهم واضحة، وتنمّ عن سابق تصوّر وتصميم من حيث التوقيت، والأسلوب.
- المنطقة التي يتحصّن فيها، محروسة من بيئة لها تحالفاتها المعروفة، وخياراتها الإقليميّة والدوليّة في صراع المحاور. وهذا ما يفرض حتمية التواصل، والتشاور بين المسؤولين، والممسكين بالأرض، للوصول إلى مخرج يمكّن الحكومة من تنفيذ ما هو مطلوب منها، ويرسملها معنويّاً لجهة ظهورها أمام الرأي العام بمظهر القادر، والمتمكّن من بسط سلطة القانون على الجميع من دون استثناء.
- التوقيت مهم، إن لجهة ما أقدم عليه المتهم، أو لجهة تقديم طلب الإسترداد، كونه جاء متزامناً مع:
- بدء العد العكسي لانتخاب رئيس للجمهوريّة ضمن المهلة الدستورية التي بدأت اعتباراً من الأول من الجاري.
- بدء العد العكسي لمسألة ترسيم الحدود البحريّة، وترقب عودة الوسيط الأميركي إلى بيروت حاملاً الأجوبة الإسرائيليّة.
- بدء العد العكسي لتوقيع الإتفاق النووي الإيراني، والإنعكاسات التي قد يتركها على الأوضاع في المنطقة، والإصطفافات الدوليّة.
ولبنان من حيث تكوينه المجتمعي، وموقعه الجيو ـ سياسي، سوف يتأثر حكماً، إن لم يكن بقوّة الزلزال، فبتداعياته حتماً، لأن هناك باقة من الأسئلة المتصلة بوضعه الداخلي، والإستحقاقات الداهمة، ومنها:
- ما مصير الحوار السعودي ـ الإيراني؟ وهل سيتأثر في ضوء المستجدات الدامية في العراق؟ أو في حال أبرم الإتفاق النووي، وعادت الولايات المتحدة الى أحضانه؟ ثم كيف سيكون حجم “التسونامي” على الإقليم عندما تحصد طهران 100 مليار دولار سنويّاً، ويتحرّر نفطها، وغازها، ومصارفها من العقوبات، وتعود إلى الأسواق العالميّة بديناميكيّة متحررة من القيود، وبزخم حُرمت منه منذ سنوات طويلة؟
- ماذا عن الموقف السعودي من الإستحقاقات الداخليّة، وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي؟ وما مدى صدقيّة المعلومات التي تتحدث عن أن قضيّة المعارض السعودي “مشغولة بحياكة أمنيّة مكوكيّة”، من حيث التوقيت، لتبليغ رسائل عاجلة إلى من يهمّه الأمر، بأن للمملكة مقاربتها الخاصة لمجريات الأمور، وسبق أن طرحت خريطة طريق رسمت معالمها البيانات الرسميّة المتتالية، التي صدرت تباعاً عن قمم جدّة تجاه لبنان، حول ما هو المطلوب تنفيذه لبلوغ مرحلة التعافي، وقد قوبلت حتى الآن بالتجاهل، أو بعدم القدرة على التنفيذ، وهذا ما يعمّق الهوة. رئيس الجمهوريّة، وفريق عمله يعتبر أن الملف في عهدة الحكومة. والحكومة تعتبر أن الملف حكر على عناية ورعاية كل من رئيسها السني الأول الحريص، ومعه وزير الداخليّة، الذي حقق نجاحاً في ضبط تهريب المخدّرات؟!
ويأخذ البعض على السفير السعودي، كونه خالف الأعراف الدبلوماسيّة، عندما توجّه مباشرة إلى وزارة الداخلية لتقديم طلب الإسترداد، متجاهلاً وزارة الخارجيّة والمغتربين، المخوّلة برعاية البعثات المعتمدة، وتنظم علاقات السفراء بالدولة اللبنانية، ومؤسساتها الرسميّة، وهذا من شأنه أن يضاعف السلبيات، ويزيد من البرودة على العلاقات، ومن الضبابيّة التي تغلّف المواقف من غالبيّة الملفات التي تختزن مصالح مشتركة. لكن الحجة هنا ضعيفة، والمأخذ مردود، لأن السفير البخاري ليس هو من يتجاوز الأصول في التعاطي الدبلوماسي، بل غالبيّة السفراء المعتمدين، حتى أن البعض منهم يفرض رأيه على مسار الأمور، ويحدد كيف يجب أن تدار الملفات الداخليّة المهمّة، والحساسة، ومن دون اعتراض!
ولا يقتصر أول الغيث في أيلول، على العلاقة مع السعودية، ودورها الإنقاذي، بل هناك ملف ترسيم الحدود البحريّة، الذي خرج بصورة ـ ربما مدروسة ومبرمجة ـ من تحت العباءة الأميركيّة، إلى مضارب أخرى، فرنسيّة، وروسيّة.
فرنسا تنسّق مع آموس هوكشتاين. وفي كلّ مرّة كان يزور فيها بيروت، كان يختتم زيارته بجلسة عمل في قصر الصنوبر. وفي كلّ مرّة كان يزور فيها تل أبيب، كان يعرّج في طريق العودة على باريس، وقد اتخذها ملعباً لخيله، يصارح، ويمالح، ويقترح. وآخر جديده دخوله مباشرة على خط التشاور مع شركة “توتال” الفرنسيّة، وبرنامج عملها المرسوم تجاه حقول لبنان النفطيّة، في ما لو جرت الرياح وفق ما تشتهي سفن الترسيم!
وبمعزل عن هذا التنسيق الذي يصلب عوده، يبرز في كواليس دبلوماسيّة ضيقة ما يفيد عن رقابة روسيّة مشددة تجاه ما يجري بين الولايات المتحدة وفرنسا وإيران، ممثّلة بـ”حزب الله”، وإسرائيل ولبنان، من ترسيم، على هامش الترسيم. والمسألة لدى موسكو أبعد من تفاهم على خطوط الطول والعرض في بحر صور، إنها تتصل بالتسوية الإستراتيجيّة، التي يصار الى إنضاجها، والتي تضمن مصالح المعنيين في الحرب المفتوحة حول مسألتي الغاز والنفط في الشرق الأوسط بين الدول المنتجة، وتلك المستفيدة، والتي هي بحاجة ملحّة لهذه السلعة الحيويّة. وإذا كان الغزل الأميركي ـ الفرنسي ـ الإسرائيلي يقضي بترسيم حدود واضحة للدور الفرنسي في غاز لبنان ونفطه في المتوسط، فإن الواقعية الروسيّة تقضي بإجهاض المحاولة، ولديها القدرة، والإمكانيّة على فعل ذلك بالوقت المناسب، لأن المسألة، من منظارها مسألة مبدأ، لا يمكن لفرنسا أن تحارب في أوروبا، إلى جانب أوكرانيا، وتتسلل بالمقابل نحو آبار الشرق الأوسط، عبر البوابة اللبنانية، للبحث عن بديل للغاز الروسي!