/محمد حمية/
مُحاطاً بجموع الحركيين وجماهير الإمام موسى الصدر، ومُسيجاً بالأعلام الخضراء، ومتوسطاً ميمنة بحر صور الأزرق، أفرغ الرئيس نبيه بري ما في جعبته من ذخائر سياسية ورسائل حاسمة في أكثر من اتجاه، ورسّم حدود مواقفه من الاستحقاقات المقبلة.
حسم رئيس حركة “أمل” الجدال الدائر حول قضية الإمام الصدر، من حديث تسويات وصفقات تعقدها “عين التينة” من تحت الطاولة لإخلاء سبيل هنيبعل القذافي وإنهاء القضية، فقطع الطريق على المصطادين بالماء العكر الذين يريدون النيل من الحركة ورئيسها من نافذة قضية “الامام”، وجدد التأكيد أن تحرير الإمام ورفيقيه هي “قضية سيادية”.
كما غاصت جماهير الحركة في بحر مدينة “البحر”، غاص رئيس المجلس بالملفات والقضايا الساخنة، ورمى شباكه السياسية على طول الشاطئ اللبناني وبحره، من الناقورة الى العاصمة الى الشمال، لاصطياد الخصوم بصنارته المعهودة.
لم يُطلق رئيس المجلس مبادرة سياسية كما توقع البعض، لكنه خطّ خريطة طريق للخروج من الأزمة السياسية التي يشهدها لبنان، وما يتناسل منها من مشاكل اقتصادية ومالية واجتماعية تضع لبنان على رصيف الانهيار الكامل والتهديد الوجودي.
لم يُفصح “النبيه” عن مرشحه ـ أو مرشحيه ـ لرئاسة الجمهورية، ولم يُجاهر برفضه لأي مرشح، لكنه “خيّط” مواصفات للرئيس المقبل تنطبق على رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية أكثر من غيره، مسدداً بذلك رمية قاضية على لائحة طويلة من المرشحين الرسميين والمفترضين، و “المرشحيّن الطبيعيّين”، أي رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. فلا “الحكيم” يعتقد اعتقاداً راسخاً بأن إسرائيل عدو وجودي للبنان، ولا “صهر العهد” شخصية جامعة، أما الآخرين الذين سيكونوا أولى ضحايا مواصفات بري فهم “غير السياديين”، وما أكثرهم.
عشية الدخول بالمهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، أراد بري من رسائله باتجاه بعبدا و”اللقلوق”، التموضع السياسي والدستوري المبكر على ناصية الدفاع عن الطائف وصلاحيات رئاسة المجلس، وتأهباً للمعارك السياسية والدستورية التي يتوعد بها “الجنرال” وصهره خلال الشهرين المقبلين. كما لم يخلُ من رد على حملات “التيار” ضد “العين” بتحميل العهد مسؤولية أزمة الطاقة والكهرباء.
وضع “الأستاذ” حائطاً اسمنتياً ومدرعاً أمام هجمات الثنائي عون ـ باسيل للعودة الى ما قبل الطائف، بابتداع صلاحيات رئاسية غير منصوص عنها في الدستور، كالبقاء في قصر بعبدا بعد انتهاء الولاية الرئاسية، أو نزع التكليف من الرئيس المكلف، أو الدعوة الى استشارات نيابية جديدة، أو التحكم بعملية التأليف، أو نزع الشرعية والدستورية والميثاقية عن حكومة تصريف الأعمال، مخيراً بعبدا بين تحمل الخسائر أو الحوار لمصلحة التفاهم لانتخاب رئيس للجمهورية أو تأليف حكومة جديدة بكامل المواصفات والصلاحيات والشرعية تكون “البحصة” التي تسند “خابية الفراغ الرئاسي” ريثما يتم انتخاب رئيس وإعادة تكوين السلطة.
كشف بري خيوط دوره وحركته السياسية لتذليل العقبات أمام تشكيل حكومة قادرة على مواكبة التحديات والأزمات، لكنه رفض مطلب رئيس الجمهورية توسيع حدود الحكومة بزيادة 6 وزراء لقطع الطريق على تجربة “فيتو جبران” أبان حكومة الرئيس تمام سلام، إذ تحول وقتذاك كل وزير من الـ 24 الى رئيس للجمهورية. استشعر بري أن فخاً ما ينطوي على هذا الطرح، هو إدخال باسيل الى الحكومة تحت جناح الوزراء الستة لكي يكون الشريك المضارب لقرارات الحكومة.
أعاد بري زمام المبادرة الى “عرين المجلس”، المؤسسة الأم المناط بها تفسير الدستور وما يتضمنه من أحكام تداول السلطة والمهل الانتخابية. ويقصد بري بذلك تفسير صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في ظل الفراغ الرئاسي، وتحديد مواعيد الدعوة الى جلسات الانتخاب ونصابها القانوني.
واستباقاً لأي نتائج للأحداث الأمنية العراقية على الساحة اللبنانية، والشيعية تحديداً، ودرءاً لإيقاع الخلاف بين خطوط “الحركة” و”الحزب” في ملف ترسيم الحدود، حصّن بري “البيت الشيعي”، بالتأكيد على وحدة المصير والمسار والخطوط، داعياً المتربصين بأن “يخيطوا بغير هالمسلة”، مجدداً الاشارة للعلاقة المتينة و”الرحمة” بين الحركة والحزب والشدة مع “الكفار”.
تلاقى رئيس “الحركة” مع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله على وحدة الخطوط والحدود، وانطوى خطابه على رسائل تهديد مزدوجة للإسرائيليين، تحمل في طياتها رفضاً لكل المقترحات الأميركية ومن خلفها الإسرائيلية لقرصنة حقوق لبنان، ورسالة أخرى يُحمل بموجبها مسؤولية للأميركيين بأي ردة فعل للمقاومة تدحرج الأمور الى حرب عسكرية، وخاتماً الرسائل بعبارة مشفرة: “لسنا هواة حرب، لكننا لن ننتظر طويلاً”.
وشق بري في عرض البحر طريقاً للحل عبر ضمانات أميركية بالاعتراف بحقوق لبنان بثروته النفطية والغازية، والسماح للشركات باستكمال التنقيب والاستخراج في البلوكات اللبنانية غير المتنازع عليها، إذا كان تأجيل الترسيم أمراً ضرورياً لتفادي الحرب.