/سارة طهماز/
في ظل مسلسل الأزمات والانهيارات الاقتصادية والمالية في لبنان، والتي تعتبر المصارف سبباً أساسياً فيها، كثُر الحديث عن إعادة هيكلة المصارف كحل للأزمة المصرفية، ولإعادة أموال المودعين وضخ سيولة جديدة في السوق.
وتطبيقاً لهذه الهيكلة يتم تصنيف المصارف ما بين Good Banks وBad Banks، وجمع كل المصارف غير القابلة للاستمرار في مصرف واحد هو bad bank، ويهدف إنشاؤه لمعالجة ودائع الناس المحجوزة، على أن يستحوذ هذا المصرف على موجودات كل المصارف التي انضوت فيه، وهي ستكون المصارف غير القادرة على الاستمرار او على رفع رأسمالها.
أما موجودات المصارف، فتشمل ايداعاتها الصافية الموجودة لدى البنوك المراسلة في الخارج، والتي تقدّر بنحو 3 الى 4 مليارات دولار، إلى جانب الأصول العقارية والتوظيفات الالزامية التي تعود لها. فبعد تجميع كل هذه الاموال يبدأ العمل على ردّ الأموال للافراد والشركات من دون اعطائهم أية تسهيلات.
أما الـ Good Bank، فهي المصارف القابلة للاستمرار من خلال قدرتها على رفع رأسمالها وضخ اموال جديدة عبر مساهميها أو عبر مستثمرين جدد بهدف الاستمرارية. والبلد بحاجة خصوصاً لهذا النوع من المصارف من أجل تمويل القطاعات الانتاجية، أكانت زراعية أو صناعية أو سياحية.
بهذا الفرز سيُجبر كل اصحاب البنوك الذين ينوون البقاء والاستمرار بأن يعيدوا ادخال اموالهم إلى لبنان. وإذا وجد اصحاب الـgood bank انّ عددهم سيكون ضئيلاً اي نحو 4 الى 5 مصارف، سيتشجعون أكثر على إدخال اموالهم الى لبنان، لأنّ حصتهم من السوق ستكون أكبر وقد تصل إلى 20 أو 25%، على عكس ما كان سائداً مع وجود نحو 69 مصرفاً في السوق سابقاً.
في هذا الإطار، يرى الخبير الإقتصادي الدكتور أحمد جابر، في حديث لموقع “الجريدة”، أنه لا يوجد دواء يشفي من كل الأمراض، لكنَّ لكل حالة علاج، والاَن في لبنان لن تستقيم الأمور من دون قطاع مصرفي واعد بالدرجة الأولى، فالقطاع المصرفي الضعيف لا يمكنه إنقاذ لبنان. إذاً يجب تقوية قطاع المصرف بما أنه الوسيط الذي يربط بين الإدخار والإستثمار، واليوم هناك فقدان للثقة بالمصارف نتيجة إحتجاز أموال المودعين، فلنفكر كيف يمكن إعادة هذه الثقة، وذلك لبناء الإقتصاد وإنقاذ لبنان. وتكون إستعادة الثقة عبر دمج المصارف وزيادة رأس المال بعيداً عن التسميات (Good & Bad banks)، معتبراً أن هذا الطرح هو لإلهاء الناس.
ويقول جابر: “على أي أساس تعتبر المصارف في لبنان غير جيدة، قبل تاريخ 17 تشرين 2019 كانت المصارف تتلقى الجوائز من الخارج، وكان حاكم مصرف لبنان يتصدر الصحف الدولية ويتلقى الجوائز، فلماذا هذه التصنيفات من واقع إيجابي وجيد إلى واقع سلبي؟”. وأردف قائلاً: “كان المودع يضع 10 آلاف دولار في المصرف فيصل الخبر إلى الخزانة الأميركية، مع تبرير عن مصدر الأموال، وكان هناك تشدد ورقابة على حركة الأموال. وبليلة ظلماء إنقلب الحال، فهل هناك علاقة للسياسة؟ أم عقوبات مفروضة على لبنان؟ فلماذا نستثني العقوبات المفروضة على لبنان وقانون قيصر المفروض على سوريا؟”.
ورأى جابر أن قوة الإقتصاد اللبناني كانت في القطاع المصرفي، وأضاف: “إذا بحثنا في قوة القطاع المصرفي كانت سريته، كما أنه يجب أن نرى الميزانيات المجمعة لكل مصرف في نهاية العام، وكشف المصرف عنها عبر إعداد البيانات المالية عبر الجرائد والمجلات، وكانت المصارف تحقق أرباحاً! فلماذا يتم إيهام الناس اليوم أن المصارف تحقق خسائراً؟ هل يستخدم هذا المصطلح لعدم تحمل المصارف وزر الأزمة ولإبعاد عيون المستهلك عنها؟ فهل سيتحمل المودع هذه الخسارة؟”.
ولفت جابر الى أنه “ليس هناك تصنيف لبنك جيد أو غير جيد، أو بنك قابل للإستمرار وبنك غير قابل للإستمرار، وتكفي الأرقام المالية التي تم تحقيقها، فقد حققت 5.5 مليار دولار، فأين ذهبوا؟ بالإضافة إلى أن المصارف تملك ما يسمي مصادر واستعمالات عبارة عن مساهمين ورساميل دائمة وأرباح محتجزة، وإذا رأينا الموارد التجارية فهي أموال المودعين التي تذهب إلى استعمالات تجارية، كما أنه هناك موارد خزينة، وهناك ما يسمى موجودات وأصول ثابتة وهي ليست فقط الكاش بل أراضي وعقارات وموجودات من الممكن أن يتم تسييلها وبيعها لحلحلة الوضع، فنحن نرى مصارف تفرّخ فروعاً تكلف أموالاً باهظة، فهل هناك فعلياً رقابة على عمل المصارف من قبل المصرف المركزي المؤتمن على عمل المصارف؟ ولماذا لم يتم طرح حل مشكلة السيولة في المصارف عبر الملاءة وهذه الموجودات أكبر من المطلوبات، وذلك يعني أن المصارف غير مفلسة، وإعطاء أموال المودعين عبر جدول معين”.
من الممكن الوقوف إلى جانب المصارف إذا إستعدنا الثقة، بعد أن يعود المصرف إلى العمل بشكل جاد عبر خطط مدروسة تقدّم إلى الرأي العام، وخطوة من قبل القطاع المصرفي أو جمعية المصارف أو المصرف المركزي لتهذيب سلوكيات المصرف بأي إجراء إيجابي يعيد جزءاً من ثقة المودعين، فنحن بحاجة لهذا القطاع لتمويل الإستثمارات والصناعة والزراعة ولتحسين الصادرات ولتقليل الإستيراد وتحسين الميزان التجاري وميزان المدفوعات وزيادة إحتياطي العملات الصعبة وإعادة تقوية سعر صرف العملة الوطنية، وهناك عدة إصلاحات يمكن تطبيقها عبر خطة تحتاج إلى خطوة مدروسة.