/ هبة علّام /
عادت المأساة وتجدّد الحزن، وكأن فاجعة غرق “قارب الموت” قبالة سواحل مدينة طرابلس في 23 نيسان الماضي قد حدثت بالأمس.
حالتا القلق والانتظار اللتان لم تفارقا أهالي ما يزيد عن 30 مفقوداً، ازدادت وارتفعت وتيرتها مع وصول غواصة الإنقاذ للبحث عن مركب الموت، الغارق على عمق 470 متراً في المنطقة المفترضة للغرق، قبالة شواطئ طرابلس.
يعيش المفجوعون بأقاربهم أصعب اللحظات اليوم، بانتظار أن تعود هذه الغواصة ومعها ولو أثر صغير لأحبائهم، الذين اختاروا طريقاً وعراً للهجرة، وهربوا من القهر والفقر في وطنهم فلاقاهم الموت في بحره.
الغواصة هذه، استقدمها النائب أشرف ريفي بمساعدة ومواكبة من شقيقه جمال ريفي، بعد أن تبرّع بتكاليفها مغتربون لبنانيون في أستراليا كمبادرة فردية تجاه أهل طرابلس المنكوبين، عقب تقاعس الدولة وأجهزتها عن القيام بدورهم، بحجة انتفاء القدرة المادية وانتظار المساعدة الدولية.
بدأت الغواصة عملها فعلياً اليوم، وسط انقسام طرابلسي حول جدواها وفاعلية خطوة ريفي. فجزء من أهالي طرابلس يرى أن استقدام هذه الغواصة ليس إلا خطوة شعبوية واستثماراً سياسياً، على اعتبار أنه بعد مرور كل هذا الوقت ليس هناك جدوى من البحث، فعلمياً لا يمكن أن يبقى أثر لشيء بعد هذا الوقت في قعر البحر، حيث أن المنطق يقول إن الجثث تحللت أو اختفت بسبب وجود الأسماك. وبالتالي يعتبر هؤلاء أن الأجدى، كان تحرّك رسمي سريع لحظة وقوع المأساة، وتأمين وسائل بحث مهما كلّف الأمر، حينها كان يمكن إيجاد المفقودين.. أمّا اليوم فما نفع البحث، بغض النظر عن مشاعر ذوي الضحايا المتمسّكين بطرف خيط الأمل؟
من جهته، شكر سيف الدين مرعب، وهو شقيق المفقودتين حنان ومها مرعب، اللتين كانتا على متن “مركب الموت” مع أولادهما، الخطوة التي قام بها ريفي والجهد الذي بذله مع كل فرد كان يعمل على هذا الموضوع.
وقال سيف في حديث لموقع “الجريدة”، إن “الغواصة أتت متأخرة كثيراً، لكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً”، معتبراً أن “ريفي قام بدوره كإبن المنطقة، وقام بدوره الديني تجاه الناس التي غرقت هاربة من الفقر والجوع، كما قام بدوره كنائب وكلبناني”.
بحرقة وغصّة يتحدّث سيف عن ألم الفقد، متعلقاً بـ “قشة”، معبراً عن أمله وأسرته بالله وقدرته على تضميد هذا الجرح، “لعل الوالدة تهدأ وتصبر إذا ما تمكنت فرق البحث من إيجاد لو فتات صغير أو حتى عضمة، لنتمكن من إجراء مراسم دفن لها، وحجز قبور لهن، لا أن يبقين في عداد المفقودين”.
أما عن أسباب التأخير في استقدام الغواصة والبدء بالبحث، فقال سيف: “نحن طالبنا منذ اللحظات الأولى لوقوع الحادثة لخشيتنا من مرور الوقت وتحلل جثامين المفقودين في البحر، فنحن نريد وداعهم ودفنهم، لكن الدولة لم تحرّك ساكناً في هذا المجال، واليوم لا حول لنا ولا قوة سوى هذا الأمل الضعيف، راجين أن يتحقّق بالرغم من كل التأخير الذي حصل، بسبب الأمور المالية واللوجستية، ولكون الغواصة تندرج في إطار نوعية الآليات الحربية”.
إذاً، بين الحقيقة المرّة بشبه استحالة نجاح الغواصة في إيجاد المفقودين، وبين الأمل بحدوث معجزة، يعيش أهالي الضحايا ساعات انتظار طويلة وصعبة، غير آبهين بكل ما يحكى سواء كانت هذه الخطوة لأهداف سياسية أم لم تكن، فكل رجال الساسة الطرابلسيين والمقتدرين مادياً لم يتحرّكوا لمساعدة ومساندة العائلات المنكوبة.