كتبت صحيفة “الأخبار” في عددها اليوم أن “رئيس الجمهورية ميشال عون أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنه سيتوقف عن توقيع الموافقات الاستثنائية التي تحتاج إلى موافقة الطرفين، في محاولة للضغط على ميقاتي للدعوة إلى جلسة مجلس وزراء بمن حضر. غير أن الأخير الذي يتخذ من مقاطعة حزب الله وحركة أمل لجلسات الحكومة حجة لتنفيذ أجندته لا يبدو على عجلة من أمره، إذ إن عودة الحياة الى حكومته ستجعله أمام أربعة ملفات ملحّة: خطة التعافي المالي وقانون الكابيتال كونترول وتوزيع الخسائر وتغيير حاكم مصرف لبنان. وهي ملفات يبدو أن رئيس الحكومة يفضّل معالجتها على طريقته، وبالتعاون مع مجلسه المصغّر: مصرف لبنان والمصارف”.
«الحكومة ماشية، لكنّ مجلس الوزراء مش ماشي»، عبارة، رغم عبثيتها، لم يرمها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن عبث بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون الأربعاء الماضي. فخلال لقائهما الذي سبق التصريح، أسرّ ميقاتي إلى عون بإمكان تسيير أمور الحكومة بلا مجلس وزراء، إما عن طريق الموافقات الاستثنائية والمراسيم الطيّارة أو عن طريق الموافقات اللاحقة، وبالتنسيق مع كل وزير على حدة. بذلك، تبقى الحكومة «ماشية» حتى ولو تعطّل مجلس الوزراء إلى ما بعد الانتخابات النيابية.
مشكلة الحكومة لا تزال مستمرة حتى بعد استقالة الوزير جورج قرداحي، والعوائق امام عودة مجلس الوزراء الى الانعقاد لا تزال هي نفسها وتتعلق بالموقف من طريقة عمل المحقق العدلي. وهو ملف يتوافق الرئيسان عون وميقاتي على رفض مقاربته بالطريقة التي يقترحها ثنائي أمل – حزب الله. لكن الأمور تصبح اكثر تعقيداً لدى الاقتراب من آلية العمل اليومي، خصوصا أن عون يعتقد بأن على ميقاتي دعوة الحكومة الى الانعقاد ومعالجة المشكلات كونه رئيساً لمجلس الوزراء، بينما لا يريد الأخير استبدال مشكلة القرداحي بمشكلة اكبر مع امل وحزب الله، وهو يدرك أن احداً في لبنان لا يتعامل بجدية او قلق من تلويحه بالاستقالة مرات ومرات.
اقتراح ميقاتي إدارة البلد بالتنسيق بينه وبين رئيس الجمهورية وتحويل الحكومة إلى تصريف الأعمال من دون أن تكون الحكومة مستقيلة، لم يرق لعون الذي أبلغ ضيفه رفضه صيغة «اختصار القرار سوا»، وأنه لن يوقّع مزيداً من الموافقات الاستثنائية، خصوصاً أنه لا يريد لآخر مجلس وزراء في عهده أن ينتهي بالتعطيل وارتكاب مخالفة دستورية، وفي مسعى للضغط على ميقاتي لعقد جلسة وزارية وتحضير جدول أعمالها بحضور من يرغب.
ومنذ بدء الأزمة الحكومية ومقاطعة وزراء حزب الله وحركة أمل جلسات مجلس الوزراء، وقّع رئيسا الجمهورية والحكومة 5 موافقات على قرارات من دون العودة إلى مجلس الوزراء، هي: تحويل اعتمادات إلى هيئة أوجيرو، تحويل اعتماد الى مستشفيات (قراران)، نقل اعتماد إلى المديرية العامة للطيران المدني لتغطية اعتمادات الأعمال الإضافية الليلية للموظفين المناوبين، نقل خادم منصة «ايمباكت» الذي يجري تسجيل طلبات البطاقة التمويلية عليه إلى مقر التفتيش المركزي لزيادة سعته ثم تحويله إلى أوجيرو.
جرى ذلك رغم معرفة الطرفين بأن هذه الآلية مخالفة للدستور، خصوصاً في ما يتعلق باختزال السلطة الإجرائية بشخصين رغم وجود مجلس وزراء لا يرغب رئيسه بدعوته إلى الانعقاد. مصادر بعبدا تبرّر المراسيم الخاصة التي وقّعها عون بأنها تضمّنت أموراً ملحة تمسّ بالوضع المعيشي والإنساني للمواطنين. «لكنّ اتخاذ هذه الأوضاع ذريعة للاستمرار بالتعطيل، دفع بالرئيس عون إلى حسم قراره بعدم التوقيع مجدداً».
نيّة مبطنة لدى رئيس الحكومة باستخدام مقاطعة الجلسات ذريعةً لتنفيذ أجندته بالاستعانة بفريق مستشاريه
ويُعزى ذلك إلى وجود نية مبطنة لدى رئيس الحكومة باستخدام مقاطعة الجلسات ذريعة لتنفيذ أجندته على انفراد بالاستعانة بفريق مستشاريه. وهذا ما حدث، مثلاً، الأسبوع الماضي بإعداد مشروع قانون للـ«كابيتال كونترول» بالتنسيق بينه وبين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف ونائب رئيس الحكومة سعادة الشامي ووزير المال يوسف خليل من دون المرور بمجلس الوزراء.
علماً أن مشروعاً كهذا يفترض أن يأتي كجزء من خطة مالية شاملة صادرة عن مجلس الوزراء، وبمواكبة من صندوق النقد. وهنا، أيضاً، كانت الذريعة تعذّر عقد جلسة حكومية تتمثل فيها كل المكوّنات مع ضرورة الإسراع بوضع حدّ للسحوبات المالية. مصادر متابعة تلفت إلى أن «شخصية ميقاتي البراغماتية ومسعاه لإرضاء الجميع انتهيا بنأيه بنفسه حتى عن صلاحياته، فيما كان قبل انتخابه رئيساً للحكومة يُزايد برفضه التعدي على صلاحيات رئيس الحكومة وابتزازه بمقاطعة الجلسات وإجباره على وقفها، مشدداً على ضرورة استمرار عمل السلطة الإجرائية وليحضر من يحضر». إلا أن كلام ميقاتي كرئيس حكومة سابق يمحوه كلامه بصفته رئيس حكومة حالياً.
لا جواب في أوساط ميقاتي عما يحول دون دعوته إلى جلسة حكومية سوى الكلام الروتيني نفسه عن «عدم الرغبة في إشعال نزاعات طائفية وسياسية»، وعن مسعى لإيجاد حلّ للمسألة بإبعاد النزاع القضائي حول تحقيقات المرفأ عن مجلس الوزراء ورميه إلى مجلس النواب. هذا المسعى يجري العمل عليه، بحسب أحد الوزراء، وبات الدخان الأبيض قريباً».
وإلى جانب الموافقات الاستثنائية ومشاريع ميقاتي الخاصة، يواصل رئيس الحكومة عقد اجتماعات للجان الوزارية بهدف «تسيير المرافق العامة» من دون مجلس وزراء. وهو، في هذا السياق، اتخذ قرارات عدة منها رفع الحد الأدنى للأجور وإقرار سلفة شهرية لموظفي القطاع العام ووضع اللمسات الأخيرة على البطاقة التمويلية قبيل إطلاق منصتها. كل هذه الإجراءات نوقشت وبُدئ العمل فيها بالقفز فوق المجلس. وآخر اجتماعات اللجان عُقد أمس برئاسة ميقاتي لمتابعة موضوع الإجراءات الحدودية وحل الإشكالات التي حصلت مع السعودية ودول الخليج، بمشاركة وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والزراعة والصناعة وحضور المدير العام للجمارك ورئيس الهيئات الاقتصادية ورئيس جمعية الصناعيين ورئيس جمعية تجار بيروت وغيرهم. وجرى النقاش خلاله في تطبيق إجراءات سريعة لإثبات نية لبنان بضبط حدوده. علماً أن لا قدرة لهذه اللجان على إصدار أي قرار بمفردها، بل تحتاج إلى انعقاد مجلس الوزراء لإقراره، وبالتالي لا يعدو كون الأمر مجرد «ترقيع».
يحصل ذلك بينما جدول أعمال مجلس الوزراء يكبر وباتت بنوده تتخطّى المئة، بينها أمور أساسية تتعلق بالانتخابات وأخرى تتعلق بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتعيينات الدبلوماسية وغيرها من أمور الدولة. بنود مؤجّلة إلى حين اتخاذ ميقاتي قراراً بإعادة مجلس الوزراء إلى الحياة. وثمة من يقول إن الأهم من ذلك كلّه يكمن في أربعة ملفات تدفع رئيس الحكومة للهروب إلى الأمام ومحاولة معالجتها وحده بما يخدم شركاءه: خطة التعافي المالي، مشروع الكابيتال كونترول، الاتفاق على آلية توزيع الخسائر والنقاش في قرار تغيير حاكم مصرف لبنان.