لملمت ضاحية بيروت الجنوبية آثار العدوان “الاسرائيلي” الجديد، وعادت الحياة الى طبيعتها الاثنين، لكن ما كشفته التسريبات “الاسرائيلية” يعزز القناعة لدى اكثر من مسؤول امني وسياسي، بوجود رغبة “اسرائيلية” حثيثة، بدفع الوضع الداخلي الى الانفجار، من خلال توظيف الضغط والتواطؤ الاميركي، لتعزيز الانقسامات بين بيئة المقاومة والمؤسسة العسكرية، التي خرجت مصادرها عن صمتها بالامس للتصدي ولنفي موجة شائعات مريبة، حول علم مسبق للجيش بالغارة.
فيما تعمّدت حكومة الاحتلال احراج الدولة اللبنانية بالاعلان انها نسّقت الغارة الجوية على الضاحية الجنوبية مع الولايات المتحدة الاميركية، التي لم تعترض على الاعتداء، وذلك غداة مناشدة رئيس الجمهورية جوزاف عون واشنطن وباريس كدولتين ضامنتين للاتفاق لوقف الخروقات “الاسرائيلية”.
وبانتظار ما سيحمل في جعبته رئيس لجنة المراقبة الجنرال الاميركي جاسبر جيفير، العائد الى بيروت يوم الاربعاء ليلتقي الرؤساء الثلاثة، بعد تجميد مريب لعمل اللجنة، واصلت “اسرائيل” خروقاتها التي بلغت حتى مساء الاثنين 3028 خرقا بريا وجويا.
وفي هذا السياق، دخلت واشنطن على خط مواكبة الاكاذيب “الاسرائيلية”، من خلال تسريب معلومات منسوبة لمصادر اميركية وروّجت لها عدة وسائل اعلام، زعمت ان الجيش اللبناني كان على علم مسبق بالضربة على الضاحية، بعدما لم يستجب الى مطلب “اسرائيلي” نقله الاميركيون للدخول وتفتيش الموقع قبل استهدافه، زاعمة ان حزب الله لم يوافق على ذلك. وردا على هذه المزاعم، نفت مصادرعسكرية ما يروج له الاميركيون بان الجيش كان على علم بالضربة قبل وقوعها، واكدت ان المؤسسة العسكرية علمت من خلال وسائل الاعلام بعد التحذير “الاسرائيلي”.
ونفت المصادر ايضا ان يكون الموقع المستهدف مستودع للصواريخ الدقيقة، ولفتت الى انه لو صحت الادعاءات “الاسرائيلية” لكانت المنطقة تعرضت لدمار هائل، وهو امر لم يحصل.
وفي هذا الاطار، نفت مصادر مطلعة حصول سوء تفاهم بين الجيش وحزب الله في موقع الاستهداف، وما حصل ميدانيا بعد الضربة، كان بتنسيق عال وسلاسة معتادة.
ووفق مصادر سياسية بارزة، فان الاعتداء على الضاحية ابعد من رسالة، لتحويل التدخل “الاسرائيلي” الى واقع معاش وفق ورقة الضمانات الاميركية لـ”اسرائيل”، وهي ابعد من ان تكون رسالة لمنع الاستقرار الامني والاجتماعي وتأليب بيئة حزب الله عليه، بل هي رسالة الى رئيس الجمهورية جوزاف عون بعدم الموافقة على منهجيته لمقاربة ملف سلاح حزب الله. فـ «اسرائيل» تريد ان تحفظ لنفسها حرية الحركة، وابقاء الشعور لدى اللبنانيين بان الضربات لن تتوقف، فيما سكان الشمال يحتجون ضد الحكومة والجيش، للمطالبة بتغيير استراتيجيتها مع لبنان من خلال احداث تغيير جذري في الشمال.
ووفق تلك الاوساط، يكمن الخبث “الاسرائيلي” في تعمّد التأكيد انه تم ابلاغ واشنطن مقدما عن قصفها للضّاحية الجنوبيّة، التي “تتعهّد بأنّها لن تعود ملاذًا آمنًا لحزب الله، أو أن تسمح للحزب لاستعادة قوّته بحيث يُشكّل أيّ تهديد”. وهي ارادت ان تقول لبيئة حزب الله ان الإدارة الأميركيّة التي يثق بها الرئيس عون ورئيس الوزراء نواف سلام ، تمنح “الضوء الاخضر” لهذه الغارات المرشحة للتوسع والتصاعد، خصوصا ان الرئيس عون اعاد قبل البيان “الاسرائيلي”، التشديد أمام وفد من مجلس الشّيوخ الفرنسي على “أنّ قرار حصر السّلاح بيد الدولة اللبنانيّة قد اتّخذ، ومن غير المسموح بالعودة إلى لُغة الحرب”، وأضاف بأنّه “يريد من فرنسا واميركا الضامنتين لوقف إطلاق النار، إجبار «إسرائيل» على وقف اعتداءاتها”.
ويبدو واضحا ان حكومة الاحتلال تريد جر لبنان إلى حرب داخلية، تكون بدايتها إشعال فتيل فتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة، ولهذا فان المرحلة المقبلة دقيقة جدا لانها ستشهد المزيد من الضغوط الاميركية – «الاسرائيلية»، بهدف رفع منسوب التوتر الداخلي، لايجاد بيئة متوترة تكون مقدمة لشرارة مواجهة داخلية، تبدو انها ستكون المخرج المناسب لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتانياهو، الغارق في مشاكله الداخلية وحرب الاستنزاف في غزة، فيما تضغط عليه الاجواء الايجابية في المفاوضات الايرانية – الاميركية، في وقت يعاني جيشه من ضعف بنيوي يعرقل جهوزيته لحرب واسعة.














