… ومن الكويت يهبّ دعم خليجي واعد

| جورج علم |

يحقّ لقادة دول مجلس التعاون الخليجي حماية الشراع من عصف الأنواء. الظرف دقيق. والمرحلة في غاية التعقيد. ووحدة الساحات تتفكّك. وخطّ البراكين ينشط. تهمد فُوّهة هنا، تتأجج أخرى هناك. يترنّح وقف إطلاق النار نسبيّاً في لبنان، يشتعل في سوريا. يتقلّب محور الممانعة على وقع مفاجآت غير متوقعة، وحسابات معقّدة، وكأن الحكّام المشرفين على ملعب الشرق الأوسط، يسارعون الخطى لضبط “فولات” اللاعبين، قبل أن يطلق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب صفّارة “الأمر لي”، إعتباراً من 20 كانون الثاني المقبل.

وسط هذا الإعصار المتمادي من شاطىء غزّة حتى شاطىء البحر الأحمر، والذي يحاصر الشرق الأوسط من مسارب إقليميّة ودوليّة عدّة، يحتضن أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، قادة دول مجلس التعاون الخليجي في قمّة، وصفت بـ”الإستثنائيّة” من حيث التوقيت، والإصرار على “حماية المسار، ووحدة القرار”.

تُعرّف، وفق الأدبيات الخليجيّة، على أنها الدورة رقم 45 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، التي استضافتها الكويت الأحد الماضي.

وتُعرّف، وفق الأدبيات السياسيّة، على أنها “دورة تحصين الذات، في مواجهة التحديات”. وتحت هذا العنوان تندرج بنود كثيرة من حيث الأهميّة، والأفضليّة.

لا يمكن لمجلس التعاون أن يبقى في “برج المراقبة”، فيما الأنواء تتلاطم حوله من كل حدب وصوب، خصوصاً أن المصالحات والزيارات والتفاهمات لم تبدّد الهواجس، ولم تحدث وضوحاً في الرؤية، فضلاً عن أن القراءة في الكتاب الأميركي الجديد، تستوجب قدراً من الإجتهاد والإستعداد للعهد “الترومبي” المشحون بقدر كبير من الإثارة، وروح المغامرة.

كان البيان الختامي كافياً ووافياً في التصريح والتوضيح. شمل مختلف الملفات، وشدّد على “أهميّة الإستقرار والأمن في المنطقة، ودعم رخاء شعوبها”. وأكّد “وقوف مجلس التعاون إلى جانب الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة ومحيطها. والوقف الفوري والدائم لإطلاق النار. وإنهاء الحصار المفروض على القطاع. وضمان تأمين وصول كافة المساعدات للسكان. ومطالبة المجتمع الدولي بإتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف العدوان الإسرائيلي وفقاً للقانون الدولي. ومطالبة مجلس الأمن بتشكيل لجنة دوليّة مستقلّة للتحقيق في جرائم إسرائيل في غزّة، وإتخاذ خطوات جديّة لمنعها، ومحاسبة مرتكبيها، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني. ودعم جهود السعوديّة في إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، ومبادرتها مع الإتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربيّة، لإحياء عمليّة السلام في الشرق الأوسط”.

وكانت الإلتفاتة ناحية لبنان على قدر كبير من العاطفة، والمصارحة، والموضوعيّة ، وروح التعاون، والتضامن لكبح الجائحة، والإنطلاق بمسيرة التعافي.

شدّد القادة الخليجيّون على نقاط أربع:

الأولى ـ وقف إطلاق النار.

كان هناك ترحيب بالإتفاق. وحرص على “إنجازه كاملاً، ومن دون شوائب، في مهلة الـ60 يوماً. وتأكيد على أن يكون إنطلاقة واثقة لوقف الحرب، وإنسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية”.

وتضمّن البيان الختامي “إدانة صريحة للإعتداءات الإسرائيليّة التي نتج عنها آلاف الضحايا المدنيّين، وتدمير البنية التحتيّة، والمنشآت المدنيّة، والصحيّة”. وشدّد على “عودة النازحين والمهجّرين الى ديارهم”.

وأكد على “مواقف مجلس التعاون الثابتة مع الشعب اللبناني الشقيق، وعن دعمه المستمر لسيادة لبنان، وأمنه، وإستقراره، وللقوات المسلّحة اللبنانيّة التي تحمي حدوده، وتقاوم تهديدات المجموعات المتطرّفة الإرهابيّة”.

الثانيّة ـ القرار الأممي 1701.

شدّد زعماء دول مجلس التعاون على “ضرورة تطبيقه لإستعادة الأمن والإستقرار الدائم للبنان، وضمان إحترام سلامة أراضيه، وإستقلاله السياسي، وسيادته داخل حدوده المعترف بها دوليّاً. وبسط سيطرة الحكومة اللبنانيّة على جميع الأراضي اللبنانيّة، وفق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وإتفاق الطائف”.

ودان البيان الختامي “الهجمات التي تعرّضت لها قوّة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل)”.

الثالثة ـ إتفاق الطائف.

تحت هذا العنوان شدّد قادة دول مجلس التعاون على نقاط ثلاث: العودة إليه كدستور، ومرجعيّة، ومظلّة واقية تحمي الوحدة الوطنيّة. وضرورة تنفيذه بالكامل نصّاً وروحاً، من دون إستنسابيّة، أو فئويّة. والمباشرة بإنتخاب رئيس للجمهوريّة، ووضع حدّ للفراغ، وإعادة بناء الدولة، وتفعيل مؤسساتها”.

وأكّد الزعماء الخليجيّون على أن “الطائف مسار، ومصير. يضمن وحدة الأرض، والشعب والمؤسسات، ويوفّر الفرص لتحفيز

الإرادات الخيّرة المبدعة، والهادفة الى بناء المستقبل الزاهر”.

الرابعة ـ الإصلاحات.

أكد قادة دول مجلس التعاون على ” أهميّة تنفيذ إصلاحات سياسيّة، وإقتصاديّة هيكليّة شاملة تضمن تغليب لبنان على أزمته السياسيّة والإقتصاديّة، وعدم تحوّله إلى نقطة إنطلاق للإرهابيّين، أو تهريب المخدّرات، أو الأنشطة الإجراميّة التي تهدّد أمن وإستقرار المنطقة”.

… ومن الكويت إنطلقت أول “مبادرة إنسانيّة” إلى مطار رفيق الحريري، بعيد ساعات من إنفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020…

ومن الكويت تنطلق من أحضان الدورة 45 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، أول مبادرة سياسيّة، عربيّة على هذا المستوى، بُعيد أيام معدودة على البدء بتنفيذ إتفاق وقف إطلاق النار…

والمبادرة هنا ليس كلاماً ينثر في الهواء، بل إلتزاماً “إذ إلتزم اللبنانيّون بتنفيذ القرار 1701، وبالطائف، وبتطبيق الإصلاحات”…