| راجانا حمية |
نحو 12 ألف حامل انتقلن بين ليلة وضحاها من بيوتهنّ الآمنة إلى مراكز النزوح. فرضت هذه «النقلة» مخاطر صحّية جعلت صحتهنّ عرضةً للمخاطر والمضاعفات من الإسقاط في شهور الحمل الأولى إلى الولادات المبكرة وغيرها.
حتى اللحظة، لا تدوين رسمياً لما حصل أو يحصل مع النازحات الحوامل، وتحديداً المقيمات في مراكز النزوح، باستثناء ما يبلّغ عنه. في السياق ذاته أيضاً، يصعب الحديث عن أرقامٍ دقيقة لأعداد الحوامل وأعداد الولادات. لكن الاختصاصي في الطب النسائي الدكتور فيصل القاق، يشير، بحسب إحصاءات تقريبية، إلى أن عدد الحوامل النازحات يبلغ نحو 11 ألفاً و600 حامل، وأن عدد الولادات منذ بداية الحرب «قد يكون بلغ 1800 ولادة تمّت في معظمها في المستشفيات، باستثناء أعداد قليلة جداً في مراكز النزوح». وانطلاقاً من أن المعدّل الشهري للولادات هو 1500، يتوقّع القاق «أن تكون هناك 1550 ولادة الشهر المقبل».
هكذا، فرضت الحرب، ومن بعدها النزوح، واقعاً مضطرباً على النازحات الحوامل اللواتي وجدن أنفسهنّ – فجأة وبسرعة – بلا متابعة طبّية. ولأن الحامل في الظروف العادية تحتاج بشكلٍ دوري إلى عناية ورعاية خاصّة، ومن ضمنها متابعات مع الطبيب واتباع نظام غذائي والحفاظ على مواعيد تناول الأدوية والفيتامينات، فإن انقطاع هذه الرعاية زاد المشاكل الصحية والمخاطر، ولا سيما المضاعفات التي ترافق الحمل من الضغط الحملي والسكري إلى الطلق المبكر والقيصرية السابقة، إلى الإسقاط في الأشهر الأولى من الحمل وغيرها من المضاعفات. ويقدّر القاق أن احتمالات حصول مضاعفات تصل نسبتها إلى 15%. ويلفت إلى أن من مضاعفات النزوح أيضاً التعرّض لنقصٍ في الغذاء والتوتّر النفسي، وهما عاملان لا يقلّان أهمية عن المخاطر الصحية. فالغذاء في مراحل الحمل ليس تفصيلاً، وإنما عامل أساسي في اكتمال نمو الأجنّة وفي التخفيف من أكلاف الفواتير الصحية في ما بعد.
فنقص الغذاء، مع ما يرافقه من توترات نفسية، يمكن أن يؤدي إلى «صغر حجم المواليد ويؤثر على السلوك والنشاط العصبي لديهم». وكما الصحة خلال الحمل، كذلك بعد الحمل، ولا سيما الحاجات الخاصة للمرأة عقب الولادة، وهو ما يشكّل التحدي الأبرز اليوم في مراكز النزوح «وخصوصاً للنساء اللواتي يلدن قيصرياً»، إضافة إلى الحاجات النفسية مع تعرّض كثيرات لكآبة ما بعد الحمل. من هنا، تنبع أهمية «وجود استراتيجية متكاملة للخدمات في مراكز النزوح»، بحيث تكون هناك مقاربة متكاملة لا تقتصر فقط على معالجة أزمة آنية تعترض الحوامل، وإنما العمل على كل ما يخص صحة المرأة ضمن سلّة متكاملة، من الحمل إلى الولادة إلى معالجة أزمات ما بعد الولادة إلى تنظيم الوجبات، وصولاً إلى تعزيز مفهوم استخدام وسائل منع الحمل وغيرها.
صحة المرأة أولوية
صحيح أن الظروف الاستثنائية فرضت نفسها على كل مفاصل الحياة، بما فيها صحة المرأة الحامل، إلا أن ما يُخاف منه أن تؤسس ــ ولو مؤقتاً ــ لمسارٍ من الانحدار في ما يخصّ صحة المرأة بشكلٍ عام، بما ينعكس على كل أزمة النزوح، انطلاقاً من أن «55% من النازحين هنّ من النساء»، بحسب القاق. ولذلك، ممنوع أن يهبط موضوع صحة المرأة في قائمة الأولويات، لتأثير تلك الصحة على المجتمع ككل. هذا أمر يفترض أن يكون محسوماً في أيّ استراتيجية صحية متكاملة.
بغضّ النظر عما هو مطلوب، تعاني المرأة الحامل في صحّتها اليوم في ظل ظروف النزوح، حيث إن معظم الحوامل انقطعن عن متابعتهن الطبية الروتينية مع أطبائهن. لذلك، أوجدت وزارة الصحة العامة صيغة يمكن بموجبها متابعة الحوامل ضمن مراكز الرعاية التي جرى توزيعها في معظم مناطق النزوح لضمان وصول مثل هذه الفئات إلى الخدمات الطبية، إضافة إلى تخصيص خطٍ ساخن للتواصل، وكذلك إلى بعض المبادرات التي تقوم بها المستشفيات بتخصيص أيامٍ طبية لمتابعة الحوامل أو غيرهنّ من أصحاب الأمراض المزمنة.