يا سيد.. كنتَ الكثير مما ينقصنا ومما نحلم به

| رندلى جبور |

أخاطبك وقد أخذتَ استراحة المحارب، وبات وقتك يسمح أكثر لقراءة الرسائل المتجهة إليك على جناح الدمع.

أخاطبك وشيء في داخلي مكسور، ولو أن الشهادة بالنسبة إليك نصر.

أما بالنسبة إلينا، فالأوان ليس لرحيلك، لأنك كنتَ رمزَ إقامة توازن مع العدو، وحلمَ التحرير الشامل، وإعادةَ بوصلة المنطقة إلى وجهتها الصحيحة.

لقد كنتَ يا سيد الكثير مما كان ينقصنا في هذا العالم العربي المُباع والمُنصاع، كالعنفوان والكرامة والبطولة والإرادة التي لا تنكسر والرأس المرفوع الذي لا يخاف. وكنتَ الكثير مما نحلم به، كالأوطان الحرّة الأبية والصلاة في القدس ودحر الاعداء والمحتلّين وبناء مشرق خالٍ من السموم، مشرق ليس للتجار أو الضعفاء أو المستسلمين.

لقد كنتَ يا سيد حالة استثنائية لا يُنتِج منها التاريخ إلا نادراً، وإذا كان لنا فخر أننا عاصرناك، فكان لنا أيضاً قهر أننا خسرناك، بعدما تُرِكتَ وحيداً على طريق القدس، وكم من يهوذا سلّمك.

لم يتحمّلوا استثنائيتك وعدم متاجرتك بالقضية، ولم يحملوا وقوفك في وجه الخطايا العامة التي تُرتكب بنا… وكم حملتَ أنت على الطريق وكم صبرتَ على كل الأحمال.

وكأنك حملتَ كل الدنيا على أكتافك في مواجهة الشياطين، ونحن احتمينا بإصبعك، وركنّا مطمئنين تحت عباءتك.

والآن ماذا؟ هل هكذا تنتهي الحكايات؟ هل كذبوا علينا بالنهايات السعيدة وبأن الخير ينتصر على الشر؟ هل كُتب علينا أن نعيش ألف 13 تشرين وألف شهادة وألف خيبة وألف انكسار وألف اندحار للحلم؟

هل الخيانة أقوى من الوفاء؟

فلنعترف أن شيئاً فينا رحل إلى غير رجعة، وأنك كنتَ كثيراً علينا.

فيا سيد، في هذه العتمة أقول لك:

مساء الخير من كربلاء ومن جراح الحسين…

مساء الخير من المسجد الأقصى، ومن كنيسة القيامة…

مساء الخير من دماء الشرفاء التي واجهت سيوف الأعداء، ومن وجع الدمع في مقلة كل زينب وكل مريم…

مساء الخير يا سيد، من كبرياء كل مظلوم ومن وعد النصر المبين…

هنا إذاعة القلب يا سيد، وإذاعة العقل…

هنا الدم حمل إليك الشهادة التي بها رغبت…

هنا العز والكرامة، وصدق الوعد…

يا عمامة الكِبَر فوق هامة جبل عامل، ويا جذور أهل الجنوب في تراب الجنوب وكل الوطن.. يا شهيد، هل سنصبح يوماً على وطن؟!