هل يمكن منع توريد الأسلحة إلى “إسرائيل” قانونياً؟

جريدة الأخبار

| لونا فرحات |

يعدّ استمرار نقل الأسلحة إلى “إسرائيل” مثالا صارخا على تقاعس الدول عن الامتثال لقواعد القانون الدولي المتعلقة بحظر توريد الأسلحة والذخائر التي يحتمل أن تُستخدم لارتكاب جرائم حرب. وبحسب ما وثقته منظمة العفو الدولية، تواصل الدول الأطراف الموقعة على معاهدة تجارة الأسلحة نقل الأسلحة إلى إسرائيل رغم الأدلة الدامغة على جرائم الحرب التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة.
مجلس حقوق الإنسان يحظر بيع الأسلحة إلى إسرائيل
في 5 نيسان/ ابريل 2024 تبنى مجلس حقوق الإنسان المكوّن من 47 عضواً قراراً يحظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل بغالبية 28 صوتاً مقابل ستة أصوات، وامتناع 13 عن التصويت، ويدعو الدول «إلى وقف بيع ونقل وتحويل الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية إلى إسرائيل، القوة المحتلة، لمنع المزيد من الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وتجاوزات حقوق الإنسان». ورغم أن القرار غير ملزم، إلا انه يحمل وزنا أخلاقيا كبيرا ويهدف إلى زيادة الضغوط الدبلوماسية على إسرائيل، فضلا عن التأثير المحتمل على القرارات الوطنية. ويهيب القرار بجميع الدول الكف عن بيع الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية ونقلها وتحويل وجهتها إلى اسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لمنع حدوث المزيد من انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وأن تمتنع وفقا للقواعد والمعايير الدولية عن تصدير أو بيع أو نقل سلع وتكنولوجيا المراقبة والأسلحة بما في ذلك ذات الاستخدام المزدوج، عندما تقدّر أن هناك أسبابا معقولة للاشتباه في أن هذه الأسلحة قد تستخدم في انتهاك حقوق الانسان أو الاخلال بها. وُيذكر القرار بأمر محكمة العدل الدولية الصادر في 26 كانون الثاني/ يناير 2024 الذي أقر بوجود خطر معقول متمثل بوقوع إبادة جماعية في غزة، ويدعو جميع الدول إلى التقيد بالقانون الدولي، وجميع الأطراف المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة إلى أن تحترم وتكفل قواعد القانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي شباط/ فبراير الماضي، صدر تقرير عن خبراء في الأمم المتحدة حذروا فيه من أن أي نقل للأسلحة أو للذخيرة إلى إسرائيل مما قد يُستخدم في غزة، من المرجح أن ينتهك القانون الدولي الإنساني ويجب أن يتوقف فوراً، وعلى جميع الدول ضمان احترام القانون الدولي الإنساني بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949 والقانون العرفي الدولي. وبناء عليه، كما ورد في تقرير الخبراء، «على الدول أن تمنتع عن نقل أي سلاح أو ذخيرة من المتوقع وبالنظر إلى الحقائق أو أنماط السلوك السابقة أن تستخدم لانتهاك القانون الدولي. ومن خلال إرسال الأسلحة وقطع الغيار والذخيرة إلى الجيش الإسرائيلي، تخاطر الدول والشركات بالتورط في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي».

توريد الأسلحة إلى إسرائيل خرق لمعاهدة تجارة الأسلحة
اعتمدت معاهدة تجارة الأسلحة في 2 نيسان/ أبريل 2013 ودخلت حيز النفاذ في 24 كانون الأول/ ديمسبر 2014، وبلغ عدد الدول الأطراف فيها 115، من بينها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة وصربيا. وبلغ عدد الدول التي وقعت على المعاهدة من دون مصادقة 27، من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل. أما الدول التي لم تنضم بعد إلى المعاهدة فهي 53 من بينها الهند .
تهدف المعاهدة إلى منع المعاناة الإنسانية والحد منها بوضع معايير دولية مشتركة لنقل الأسلحة التقليدية. وتشير ديباجتها إلى الالتزامات باحترام وضمان القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان. وبموجب المادة 6 (3) من معاهدة تجارة الأسلحة، تلتزم الدول الأطراف بألا تأذن بأي نقل للأسلحة التقليدية إذا كانت على علم في وقت اصدار الإذن بأن الأسلحة أو الذخائر ستستخدم في ارتكاب جرائم إبادة جماعية، أو جرائم ضد الإنسانية، أو انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، أو لشن هجمات موجهة ضد الأهداف المدنية أو المدنيين الذين تشملهم الحماية، أو جرائم حرب أخرى تحددها أو تعرّفها الاتفاقيات الدولية التي تكون هذه الدول طرفاً فيها. ووفقا للمادتين 7 و11، تلتزم الدول الأطراف بعدم السماح بأي تصدير للأسلحة التقليدية والذخائر والأجزاء والمكونات التي من شأنها، في جملة الأمور، تقويض السلام والأمن أو استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وتحظر معاهدة تجارة الأسلحة:
– عمليات نقل الأسلحة التقليدية وذخائرها واجزائها ومكوناتها عندما يُحتمل أن يؤدي نقلها إلى انتهاك الواجبات التي تنطوي عليها التدابير المتخذة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتحديدا في حال صدور قرار بحظر توريد الأسلحة إلى دولة ما (المادة 6 /1).
– نقل الأسلحة عندما يحتمل أن يؤدي نقلها إلى انتهاك الالتزامات الدولية التي تقع على عاتق الدولة الطرف بموجب اتفاقيات دولية.
– نقل الأسلحة وذخائرها ومكوناتها وأجزائها إذا كانت الدولة الطرف في وقت النظر في اصدار الإذن لنقلها على علم بأن الأسلحة أو الذخائر او اجزاءها المراد نقلها ستستخدم لارتكاب جريمة إبادة جماعية أو جرائم ضد الإنسانية أو مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ، أو لشن هجمات على ممتلكات مدنية تشملها الحماية الممنوحة للممتلكات المدنية أو على مدنيين. ويتعين على كل دولة طرف في المعاهدة وفي الوقت نفسه طرف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أن تأخذ في الاعتبار طائفة واسعة من جرائم الحرب.
– تلزم المعاهدة الدول الأطراف أن تجري تقييما حول احتمال مساهمة الأسلحة التقليدية المراد تصديرها في ارتكاب انتهاك خطير لقانون الدولي الإنساني او تيسير ارتكابها، وإذا رأت الدولة الطرف المصدرة بعد اجراء التقييم أن هناك خطرا كبيرا بحدوث أي من العواقب الوخيمة وجب عليها ألا تأذن بالتصدير (المادة 7 /3) .

انتهاك القانون الدولي بشأن المساعدة غير المشروعة
إضافة إلى معاهدة تجارة الأسلحة، فإن الدول ملزمة أيضا بحظر القانون الدولي على المساعدة غير المشروعة. هذا النظام أوسع من معاهدة تجارة الأسلحة، ويهدف إلى الرد على تواطؤ الدول في الأفعال غير المشروعة ومعالجته من خلال حظر المساعدة والمعونة التي تساهم في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، ويشمل:
1. القواعد العرفية للقانون الدولي العام بشأن مسؤولية الدول. وتحدد المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً عدة أشكال من المساعدة غير المشروعة، وهي العون والمساعدة (المادة 16) والمسؤولية المشددة لجميع الدول الثالثة (المواد 40-41)؛
2. قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني: يجب على الدول الثالثة أن تتصرف وفق تلك القواعد لضمان أن أفعالها لا تؤدي إلى انتهاكات من قبل الآخرين ولا تؤثر بشكل ضار على ظروف وأسباب هذه الانتهاكات. وترد هذه الالتزامات في التعليق العام رقم 36 للجنة المعنية بحقوق الإنسان بشأن الحق في الحياة، وفي المادة 1 المشتركة بين اتفاقيات جنيف، والتي تطالب الدول باحترام القانون الدولي الإنساني في أنشطتها، وفي بعض الحالات ضمان احترامه من قبل دول أخرى. وفي ما يتعلق بعمليات نقل الأسلحة، فإن جميع الدول (بما في ذلك تلك التي ليست أطرافا في نزاع مسلح)، وفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، مطالبة باتخاذ تدابير للامتناع عن نقل الأسلحة إذا كان هناك توقع، استنادا إلى الحقائق أو المعرفة بالأنماط السابقة، بأن هذه الأسلحة ستستخدم لانتهاك اتفاقيات [جنيف].

موقف الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة
الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ملزمة أيضًا بأحكام موقف المجلس المشترك 2008/944/CFSP المؤرخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 2008، بوصفها قواعد مشتركة تنظم مراقبة صادرات التكنولوجيا والمعدات العسكرية، ويتعين عليها، في جملة الأمور، «رفض ترخيص التصدير إذا كان هناك خطر واضح يتمثل في إمكانية استخدام التكنولوجيا أو المعدات العسكرية المراد تصديرها في ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي».
تحركات قضائية وطنية ضد توريد الأسلحة إلى إسرائيل
■ الدنمارك: تم رفع دعوى ضد وزارة الخارجية والشرطة الوطنية في الدنمارك لفشلهما في الامتثال لالتزامات البلاد بموجب القانون المحلي والدولي بالسماح بتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. تم تسجيل القضية لدى المحكمة، ومن المتوقع اعتبارًا من نيسان/ أبريل 2024 أن يستغرق الأمر بضعة أشهر قبل أن يستجيب النائب العام للطلب.
■ هولندا: سعت الإجراءات القانونية في هولندا في ما يتعلق بالوضع في فلسطين منذ 7 أكتوبر 2023 إلى وقف توريد أجزاء مقاتلات إف-35 إلى إسرائيل، بسبب استخدام هذه الطائرات في قصف غزة. يُسمح بنقل هذه الأجزاء بموجب ترخيص عام تم إنشاؤه عام 2016 لجميع عمليات نقل طائرات إف-35. وقد سعى المدعون إلى الحصول على أمر قضائي يحظر نقل هذه الأجزاء إلى إسرائيل. وفي 15 كانون الأول/ ديسمبر 2023، حكم القاضي ضد المدعين. وقررت المحكمة أن الالتزام بإعادة تقييم رخصة 2016 يستند إلى مادة خاصة في الرخصة العامة، والتي تسمح للحكومة بأخذ مصالح أخرى في الاعتبار أيضًا، مثل علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل في هذه الحالة، إلى جانب تصرفات إسرائيل في غزة. كما حكم القاضي بأن قرار منح الترخيص يشكل عملاً سياسيًا يشتمل على قرار يتعلق بالسياسة الخارجية للحكومة، وهو قرار لا تملك المحكمة سوى سلطة محدودة للغاية عليه.
وتقدم المدعون باستئناف ضد هذا القرار. وفي 12 شباط/ فبراير 2024، قضت محكمة الاستئناف لصالح المدعين، مشيرة إلى وجود «خطر واضح بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي باستخدام طائرات إف-35». ونظراً لالتزام هولندا بمختلف اللوائح الدولية، فإنها ملزمة بوقف جميع عمليات التصدير والعبور (الفعلية) لأجزاء طائرات إف-35 إلى إسرائيل.
■ استراليا: في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أقامت مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية الأسترالية لتحديد ما إذا كانت الأسلحة المصنوعة في أستراليا و/أو مكونات الأسلحة تُرسل إلى إسرائيل منذ تصعيد الصراع في غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

المحكمة العليا في الهند ترفض وقف إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل
رفضت المحكمة العليا في الهند في 9/9 /2024 دعوى قضائية تتعلق بالمصلحة العامة، كانت تسعى إلى إصدار أمر للحكومة الفيدرالية بوقف التراخيص للشركات الهندية التي تصدر الأسلحة إلى إسرائيل و.أضافت المحكمة أن الشركات الهندية، التي تعمل في مجال تصدير الأسلحة، قد تتعرض للمقاضاة بسبب خرق الالتزامات التعاقدية، وبالتالي لا يمكن منعها من التوريد. ونقلت وكالة أنباء “برس تراست” الهندية عن القضاة قولهم: «هل يمكننا أن نأمر بحظر تصدير هذه المنتجات إلى إسرائيل بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الإبادة الجماعية. لماذا هذا القيد؟ هذا لأنه يؤثر على السياسة الخارجية ولا نعرف ما هو التأثير الذي قد يحدثه ذل». .وجاء في دعوى المصلحة العامة، التي رفعها ما يقرب من اثني عشر شخصاً، أن «الهند ملزمة بقوانين ومعاهدات دولية مختلفة تلزم البلاد بعدم توريد أسلحة عسكرية إلى دول مذنبة بارتكاب جرائم حرب، حيث يمكن استخدام أي صادرات في انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي». وفي وقت سابق، وجهت مجموعة من المواطنين البارزين في الهند رسالة إلى وزير دفاع البلاد، مطالبة بوقف عملية الترخيص التي تمكن المصدرين من إرسال الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل. وفي حين لم تصدر الحكومة أي بيانات بشأن إمدادات الأسلحة لإسرائيل، أشارت مجموعة «الجزيرة» الإعلامية القطرية في تحقيق لها بأن نيودلهي كانت تزود تل أبيب بالأسلحة. وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال السفير الإسرائيلي السابق لدى الهند دانييل كارمون إن «الهند قد تقوم بتزويد إسرائيل بالأسلحة كعلامة امتنان للمساعدة الإسرائيلية خلال حرب كارغيل عام 1999 بين الهند وباكستان» (نقلا عن موقع Arabic RT).