صوت “المشرقية” يعلو فوق دعوات التقسيم

| رندلى جبور |

ليس الصوت المنادي بالمشرقية مستجداً على الساحة. لقد علا منذ عقود، وطُبّقت الفكرة في فترات محددة ببعض الجزئيات الصغيرة، مثل جواز السَّوْق المشترك الذي كان بين لبنان وسوريا والأردن.

فالجغرافيا المتصلة، والتداخل بأمور عدة، والتحديات والملفات المشتركة، والمصير الواحد… كلّها عناوين تفرض نوعاً من التعاون والتكامل، بعيداً من الأصوات المتطرفة التي تنادي بتقسيم المقسّم، والتي وكأنها تدعو إلى الاختناق والموت، فيما نحن نفتش عن الحياة.

الضيّق يقتل ولا يحمي. والحديث الطائفي يدمّر ولا يعطي أي فرصة لأحد، بخاصة من الطوائف التي يعتبرها البعض أقلية.

ومع تصاعد هذه الأصوات، وبعد وفاة جورج قرم المشرقي في الفكر والعمق، وفي ظل كل الحروب والانقلابات التي عصفت وتعصف بدولنا، كان لا بدّ للصوت المقابل لصوت التقسيم أن يرتفع مجدداً.

عاد الرئيس ميشال عون وأحيا الفكرة التي كان ناقشها مع كل من الرئيسين السوري والعراقي والملك الاردني، ولاقى قبولاً قبل أن تغزونا 17 تشرين.

والكاتبة ريجينا صنيفر كتبت مؤخراً في صحيفة “الأخبار”: “في زمن الانهيارات لنطلق ورشة بناء المشرق”. وهي بدأت بالفعل بهذه الورشة مع كوكبة أسماء مشرقية بارزة.

ومجلة “تحوّلات” لسركيس أبي زيد، أفردت عدداً خاصاً لموضوع المشرق.

وإذا اجتمعت هذه الأفكار والجهود معاً، يمكننا الذهاب عن حق وحقيقة إلى صناعة مشرق جديد، مبني على التفاعل الإنساني الحضاري، وعلى التكامل الاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري والطاقوي والأمني والاستراتيجي، وعلى التبادل الثقافي والتربوي والفكري والإعلامي والفني، وعلى إنشاء بنى تحتية مشتركة في المواصلات والاتصالات، فتكون عندها حدودنا مفتوحة بأطر، بعيداً من أحقاد الماضي، وقريباً جداً ممّا يليق بإنسانيتنا ومشرقيتنا، مع الحفاظ على خصوصيات كل دولة وسيادتها، من لبنان إلى سوريا وفلسطين والأردن والعراق وصولاً حتى مصر.

فليترفع الصوت أكثر من أجل مشرقية تقف على رجلين ثابتتين في عصر اهتزاز النظام الدولي والعالم، وليكتب المفكرون أكثر من أجل مشرقية تواجه مشاريع التفتيت والانعزالية، وليقرأ المواطنون التاريخ وليستقوا العبر، ولتنشأ لجان مشتركة تنطلق من لبنان وتدقّ أبواب باقي الدول المعنية، وليُعقد مؤتمر ضخم تشارك فيه عقول واعية تضع حجر الأساس للذهاب الى رحلة انفتاحية شيّقة، وحدها تريح الجميع، شعوباً ودولاً وطوائف، وتقف حجر عثرة في مواجهة المخططات الصهيونية الاسرائيلية.

المشرقية هوية، فلنفتخر بها، ولنعمل من أجلها قبل فوات الأوان.

فنحن من بلد انتزع قراراً من الأمم المتحدة ليكون مركزاً للحوار والتلاقي… فلنتحاور ونلتقي إذاً.