|هيام القصيفي|
رغم أن زيارة رئيس الاستخبارات الفرنسية الخارجية الأولى لبيروت استطلاعية، إلا أنها تأتي في توقيت دقيق سياسياً وأمنياً، خصوصاً في ملفَّي الإرهاب والجنوب، وانتظار فرنسا أجوبة على الورقة الفرنسية.
قام رئيس الاستخبارات الفرنسية الخارجية نيكولا ليرنر أمس بزيارة خاطفة إلى لبنان، هي الأولى له بعد تعيينه في منصبه كانون الأول الماضي.وكان تعيين ليرنر شكّل مفاجأة مزدوجة بوصفه آتياً من الاستخبارات الفرنسية الداخلية، ولحلوله محل السفير المخضرم برنار إيمييه إثر عودة الأخير من جولة شرق أوسطية بعد اندلاع حرب غزة. وهو معروف في الأوساط الفرنسية بحنكته وخبرته في مجال الأمن والمعلومات، وقد عمل طويلاً في ملفات الأمن الداخلي، قبل أن يختاره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعمل في الأمن الخارجي، مع دخول فرنسا على خط حرب غزة ومع تطورات الحرب في أوكرانيا وتعمّق المأزق الفرنسي في أفريقيا. وقد حملت زيارته للبنان طابعاً استطلاعياً بالدرجة الأولى، إذ التقى مسؤولين أمنيين في زيارة تعارف إلى ساحة تهتم بها فرنسا أمنياً واستخباراتياً، ويتم التعاون فيها مع الجيش اللبناني في ملفات عدة. غير أن مصادر مطّلعة تؤكد أن مهمة ليرنر المقرّب من ماكرون لا يمكن أن تنحصر بالإطار العسكري والاستخباراتي البحت، ولا سيما في هذا التوقيت الذي تعيشه المنطقة. علماً أن مجالات البحث الفرنسي – اللبناني المتعلق بالجيش كثيرة، لجهة انتشاره جنوباً وفق أي ترتيب جديد يُعمل عليه، وإعادة تفعيل برنامج مساعدات الجيش أوروبياً وعربياً.
وتعمل فرنسا على خطين منذ اندلاع حرب غزة: العمل على التوصل إلى هدنة وتأمين المساعدات الإنسانية. وتسعى، لبنانياً، إلى وضع خطوط عريضة لبوادر اتفاق ملائم لإسرائيل ولبنان. واذا كان مصير اقتراحات الورقة الفرنسية بات معروفاً بعدما دخل الأميركيون على الخط للجم أي محاولة من باريس للتفرد بترتيب وضع لبنان والجنوب، إلا أن فرنسا لا تزال تنتظر رسمياً جواباً لبنانياً على الورقة، قد لا يصل أبداً.
وبحسب المعلومات، بحث ليرنر في لبنان في موضوعين أساسيين مرتبطين بحرب غزة وتفاعلاتها في لبنان والمنطقة:
الأول، وضع الجنوب والتطورات العسكرية فيه، وفي إطار أوسع العمل الدبلوماسي الجاري في الشرق الأوسط، ومنها جولة رئيس الاستخبارات الأميركية وليم بيرنز للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، واحتمال انعكاس ذلك على لبنان. وربطاً بذلك، مصير جواب لبنان على الورقة الفرنسية وما يمكن أن يوافق عليه لترتيب وضع الجنوب والتعامل مع المقترحات الفرنسية بإيجابية للانتقال إلى مرحلة عملانية. علماً أنه سبقت زيارة المسؤول الفرنسي زيارة أخرى لمسؤول أمني فرنسي كانت محصورة بوضع القوات الفرنسية والوضع العسكري جنوباً عطفاً على ارتدادات ما يجري على القوات الدولية العاملة في الجنوب.
الثاني، مكافحة الإرهاب في إطار التنسيق بين لبنان وفرنسا، إذ إن الأجهزة اللبنانية طالما اعتمدت على تبادل المعلومات مع فرنسا في ملف الإرهاب. وقد عرض المسؤولون الأمنيون اللبنانيون لضيفهم الفرنسي العمل اللبناني في مجال تفكيك شبكات الإرهاب، وملامح عودة تنشيط بعض الخلايا الإرهابية بعد ركود استمر نحو سنتين في بعض البقع الأمنية التي شهدت أخيراً تفكيك عدد من الخلايا والشبكات. وليرنر الآتي من عالم الأمن الداخلي والذي خبر ملفات الإرهاب في فرنسا وأوروبا على مدى خمس سنوات، معني جداً بهذا الجانب، ومطّلع على حيثياته في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. وهو طالما تحدّث في لقاءات إعلامية إبان مهمته على رأس الاستخبارات الداخلية عن مخاطر التنظيمات الأصولية وعن ظهورها مجدّداً بعد مرحلة انحسار. علماً أن فرنسا استنفرت كل أجهزتها الأمنية في الآونة الأخيرة منذ تصاعد موجات ردود الفعل ربطاً بحرب غزة، إضافة إلى استعداداتها للألعاب الأولمبية والمخاطر الأمنية التي ترافقها. واستحوذ هذا الملف على كثير من المتابعة في ظل اهتمام فرنسا ولبنان بمجالات التنسيق وتبادل المعلومات والتعاون في تفكيك شبكات الإرهاب.
ولم يغب موضوع النزوح السوري عن المحادثات، ولا سيما من الجهات اللبنانية التي وضعت ضيفها في مخاطر هذا الملف وتداعياته على لبنان، وطرح مساعدة فرنسا والاتحاد الأوروبي في مواجهة أعباء هذا النزوح والتخفيف من آثاره على لبنان. علماً أن لبنان يتعاطى مع هذا الملف كأولوية، في حين لا تزال الدول الأوروبية تتعامل معه بحذر وعلى قاعدة إبقاء النازحين حيث هم، وضبط الهجرة غير الشرعية إليها. مع فارق بسيط بدأ يظهر لدى دول متوسطية، بدأت تستشعر المخاطر نفسها وتتفهّم حاجات لبنان وقلقه.