/ محمد حمية/
لم ينّتظِر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبّلاط مرور ثالث “العزاء السياسي” للرئيس سعد الحريري، حتى أطلّ ليتحدث عن مرحلة ما بعد “رفيق الدرب والخط” وحليف العائلة ليرسُم خطواته الانتخابية والسياسية مستقبلًا.
“المختارة حزينة”، هكذا علق جنبلاط في اللحظات الأولى لإعلان الحريري تعليق أعماله الانتخابية والسياسية، لكن سُرعان ما تبدّلت أجواء الحزن والدموع والمواساة في اطلالته الخميس الماضي على قناة “أم تي في”، إلى مقاربة “المصيبة” بهدوء واحتواء وواقعية سياسية، فقلّب “زعيم الدروز” مع “الزعيم السني” الأكبر، لكنه بسط يده لكل من يملأ الفراغ في الشارع السني من خارج قوى 8 آذار، فـ”لحظة التخلي” استيقظت مجددًا لتطوي مرحلة “بيت الوسط” وتنطلق الى رحاب السياسة الأوسع لثبِر أغوار المتغيرات بحثًا عن تحالفات انتخابية وربما سياسية جديدة تملأ الفراغ وتُثبّت المواقع في الصراع مع البقاء.
فلا يُمكن مقارنة وضعية “البيك” بـ”الشيخ”، فالثاني لا يؤثر ابتعاده السياسي على مصير الطائفة السنية الغنية بالقوى التقليدية الموجودة وتلك الجديدة التي تتوثّب لحجز مكانة لها، رغم الارباك والفترة الانتقالية الصعبة التي ستعيشها حتى تنتقل الى مرحلة الاستقرار، أما الثاني فلا يقبل أن يقيم مجالس ومراسم “العزاء” في المختارة التي تنفرد وتحتكر الزعامة التاريخية للدروز وتُجسّد حضورهم وموقعهم ومشاركتهم في الدولة ومن الصعب أن تملأ الفراغ قوى أخرى.
ليس جديدًا على جنبلاط هذا التمايل والتلون واللعب على الحبال السياسية والقفز من خندق إلى آخر، قد لا يُلام الرجل في ظل أقلية درزية تعيش وسط محيط هائج من الطوائف الأخرى وتتملكها الهواجس وتصارع للبقاء، وسبق وأن شارك جنبلاط في أكثر من حكومة في ظل اعتكاف الحريري.. حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011 وحكومة الرئيس حسان دياب في نهاية العام 2019، ولم يخُض معركة تكليف الحريري الأخيرة لتأليف الحكومة حتى النهاية.
وإن أظهر “زعيم الجبل” مكنوناته في اطلالته الاعلامية الأخيرة، لكنه لم يُفصِح عن تحالفاته الانتخابية بانتظار تبلّور صورة الساحة السنية، لكن ما إن أعلن شقيق سعد الحريري، بهاء الحريري أنه “سيستكمل مسيرة الرئيسِ الشهيد رفيق الحريري”، حتى سارع عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب فيصل الصايغ للتغريد متعاطفًا مع بهاء، والتعامل معه على أنه “خليفة سعد” وداعيًا لمواكبته كونه يحمل “الإرث الوطني”.
وقبل أن تأخذ “تغريدة” الصايغ مداها الاعلامي وتُصّرف في السوق الانتخابي والسياسي، حتى سارع الصايغ لسحبها، وبحسب ما علمت “الجريدة” فإن موقف الصايغ اجتهاد شخصي محض، ولا يُعّبر عن موقف الاشتراكي ولا يعكس توجهه الجديد.
بمعزل عن فحوى كلام الصايغ وأبعاد سطوره، فقد تكون “زلة” لسان متسرعة وقد تكون “فلتة” لسان تُخفي ما يضمره “القلب الجنبلاطي” ولم يأتِ بها الصايغ من بنات عقله، لكن السؤال الذي يدور في العقل الجنبلاطي ويتردد في الأوساط الاشتراكية والسياسية عمومًا: كيف سيتعامل جنبلاط مع اعلان بهاء الحريري دخوله المعترك السياسي من لبنان؟ وهل يمكنهما الالتقاء تحت عباءة انتخابية واحدة؟ أم أن لكل منهما خلفياته السياسية وخياراته؟ سيما وأن بهاء يجاهر بإعلان معارضته للطبقة السياسية التي يتهمها بالفساد وتدمير لبنان ومن ضمنها الاشتراكي؟.. كُل ذلك يدور في ظل ما يتردد في الكواليس السياسية عن أن سعد الحريري عائد الى بيروت في 14 شباط للإعلان عن مبايعة بهاء الحريري بطلب خارجي!
لا يستطيع زعيم المختارة جلد الذات ولا إلغائها ولا الانتحار السياسي في “حب” الحريري وعلى على درب نعي “تيار المستقبل”، بل جُلّ ما يمكنه فعله أن يضع باقة زهور على “ضريح” الحريري “الابن” ويقول كلمته ويمشي، ولن يخوض معركة إعادة إحيائه أو مخاصمة أعدائه، فهو مُجبر على الاستمرار وفق معادلة “السير مع الأقوى”، فقد اعتاد “شريك الطائف” ونظام “الترويكا”، البحث عن مصالحه بين الأقوياء و”ثعالب” السياسية وأجاد اللعب من “تحت الطاولة” ولو هادن وساير وطبّع وساوم وسار عكس أهوائه ومشاعره وأدبياته، لكن الأهم بالنسبة اليه البقاء على قيد الحياة السياسية وحفظ موقع الطائفة والزعامة و”التوريث الآمن” إلى ابنه تيمور الذي لا بديل له في العائلة الجنبلاطية عندما تأتي لحظة الرحيل.. وهكذا فعل جنبلاط مع الرئيس الراحل حافظ الأسد باعترافه أنه ساوم مع النظام السوري على دم والده الزعيم كمال جنبلاط ليضمن بقاء زعامته ودور طائفته، ثم عاداها بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان في الـ2015، ثم هادنها بعد إحياء معادلة “س – س” وزار سوريا والتقى الرئيس بشار الأسد في الـ2009 ثم انقلب عليها لحظة اندلاع الحرب على سوريا في الـ2010.
أوساط مطلعة في الحزب الاشتراكي تشير لـ”الجريدة” إلى أن “الحزب ينتظر ما ستفرزه الوقائع السياسية المقبلة بعد اعتكاف الحريري للبناء على الشيء مقتضاه ولا موقف حتى الساعة”. لكن المُطلعين على توجهات جنبلاط، يؤكدون لـ”الجريدة” بأن لا تواصل مع بهاء الحريري مطلقًا ولا وليس لدى جنبلاط أي معطيات حول توجهات بهاء في المرحلة المقبلة فضلا عن غموض المرحلة السنية وكيف سيتعامل أركانها في الانتخابات هل ستكون مناطقية أو على المستوى الوطني؟”.
تشير المصادر الى أن الحزب الاشتراكي كغيره من الأحزاب التي تتعامل بواقعية وتبحث عن مصالحها الانتخابية، وبالتالي سيتعامل مع ما ستفرزه الساحة السنية من قوى وشخصيات وأحزاب جديدة ومن ضمنها بهاء الحريري.
فهل يعتبر التحالف الواقعي مع بهاء انقلاب أو تخلي عن سعد؟
ترفض المصادر ذلك لاعتبار أن الحريري هو الذي قرر الانكفاء ولا يمكن أن نُسلم للفراغ، ويجب البحث عن حلفاء جدد لخوض المعركة الانتخابية لا سيما في الشوف وعاليه وبيروت الثانية والبقاع الغربي وراشيا. وتكشف أنه خلال اللقاءات الأخيرة بين الحريري وجنبلاط قبل اعتزال سعد الحريري، طرحت سيناريوات عدة حول كيفية سد الفراغ الذي سينشأ عبر رؤساء الحكومات السابقين أم عبر قوى أخرى. وتعود المصادر بالذاكرة الى تساكن جنبلاط مع حزب الله كونه يمثل الأغلبية داخل الطائفة الشيعية، فلماذا لا تفتح المختارة أبوابها لبهاء؟