دموع جنبلاط تُبلل انتخابات “الاشتراكي”.. فمن سيركب “خيل الحوار؟”

مقدمات نشرات الأخبار المسائية 25/6/2023

في نهاية الأسبوع اللبناني لا صوت يعلو الصوت الإنتخابي في اليوم الإشتراكي الحافل وفي نتائجه تسلم رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط راية قيادة الحزب التقدمي. أما العنوان البارز الذي توخاه الإشتراكيون وظهر في النتائج فهو ضخ روح الشباب في العروق الحزبية من دون أن يعني ذلك أن الرعيل القديم سيتقاعد. أما وليد جنبلاط فوصف الإستحقاق الإنتخابي الإشتراكي على انه إنتقال من مرحلة إلى مرحلة جديدة بشكل طبيعي وقال للرئيس الجديد: “سر ولا تخف والله معك مهما كانت تقلبات الزمن ومفاجآت الأقدار وتغيرات الأحوال”.

وفي السياسة شدد على ان الحوار هو السبيل الأوحد للوصول إلى التسوية وتكريس المصالحة وتعزيزها. القطار الإنتخابي الذي يسلك سكته بسلاسة على مستوى الحزب الإشتراكي لا يماثله مسار الإستحقاق الرئاسي اللبناني الذي يبدو معلقا في هذه المرحلة على المساعي الفرنسية بشكل خاص. وفي هذا السياق ينتظر اللبنانيون عودة الموفد الرئاسي جان إيف لودريان إلى بيروت في تموز المقبل على الأرجح لان الوقت لا يعمل لصالح لبنان. وإذا كانت الجولة الأولى من مهمته إستطلاعية  فإن معالم الجولة الثانية ترصد بين سطور قوله إنه سوف يعمل على تسهيل حوار جامع بين اللبنانيين من أجل التوصل إلى حل توافقي للخروج من الفراغ المؤسساتي والقيام بالإصلاحات الضرورية.

دوليا ظلت روسيا تحت نظر العالم رغم إنتهاء التمرد الذي قاده رئيس مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين بناء لإتفاق توسط فيه الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاتشينكو. صحيح أن الهدوء عاد إلى الأنحاء الروسية مع عودة مسلحي فاغنر إلى قواعدهم في الجنوب لكن الصحيح أيضا أن أسئلة كثيرة تطرح من رحم إنتفاضة بريغوجين لعل أقساها يتعلق بما إذا كان الأمر فصلا أول من وجبة مسمومة أعدها طباخ الكرملين لفلاديمير بوتين وسيقدمها على مراحل أم ان القيصر سيعيد السم إلى طباخه؟

 

تمرد مجموعة فاغنر انتهى مثلما بدأ. فكما ان البداية جاءت بشكل مفاجىء، فان النهاية جاءت بشكل مفاجئ ايضا. لكن، وبمعزل عن التفاصيل، فالاكيد ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاش اصعب 24 ساعة منذ ثلاثة وعشرين عاما، تاريخ تسلمه الحكم في روسيا. لكنه نجح في النهاية في نزع فتيل الانفجار الذي كاد يهدد وحدة الجيش والبلاد، فعقد اتفاقا مع قائد مجموعة فاغنر، وذلك بوساطة سريعة وفاعلة من رئيس بيلاروسيا. مع ذلك، فان اسئلة كثيرة تطرح، منها: ما تداعيات ما حصل على الحرب التي تشنها روسيا على اوكرانيا، وخصوصا بعدما فقدت موسكو، مبدئيا، ذراعا عسكرية مهمة متمثلة بمجموعة فاغنر؟ وما مصير المجموعة وقائدها بعد الاتفاق؟ هل سيخرجان نهائيا من المشهد السياسي والعسكري في روسيا، ام ان دورا اخر ينتظرهما؟ لكن، هل بوتين لا يزال في وارد اعطاء دور لمجموعة فاغنر، ام انه ادرك خطورة عدم امتلاك الدولة حصرية السلاح على اراضيها؟ الارجح ان بوتين سيتعلم الدرس، فيما معظم المسؤولين عندنا لا يتعلمون، بل حتى ينظرون لازدواجية السلاح ولثنائية القوة العسكرية المسلحة على الاراضي اللبنانية!

في لبنان، الحراك السياسي شبه مشلول، كأن القوى والكتل سلمت الشأن الرئاسي الى الخارج، وهي تنتظر عودة جان ايف لودريان، بعد ان يقوم بما عليه تجاه ادارته اولا، وتجاه مجموعة الدول الخمس من جهة ثانية. والاكثر ارتياحا للاستحقاق المؤجل هو الرئيس نبيه بري، الذي لم يعد يعيش تحت ضغط ضروة الدعوة الى جلسة لمجلس النواب. فالفراغ الحالي صار أمرا طبيعيا الى حين اعداد لودريان تقريره والعودة الى بيروت بمبادرة ما او باسم ما لرئاسة الجمهورية. وفي الوقت المستقطع اقدم وليد جنبلاط على ما لا يقدم عليه كثر. اذ سلم رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي لنجله تيمور، ولقيادة شبابية جديدة. فهل سيتغير شيء مع انتقال القيادة من وليد الى تيمور، ام ان الاب سيبقى الموجه والمرشد ما يجعل عملية الانتقال شكلية؟

توازيا، كشف تقرير صادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى كيف ان حزب الله استفاد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يتخبط بها لبنان من اجل التسريع في بناء دولته الموازية، وذلك على الصعد كلها. وهل من يسأل بعد لماذا يصر الحزب على اسم محدد لرئاسة الجمهورية، ولماذا يعطل الانتخابات مع حلفائه كلما بدا انتخاب رئيس للجمهورية ممكنا؟

 

غادر جان ايف لودريان الاراضي اللبنانية، واعدا بعودة قريبة مع تصور جديد، فتوزع اللبنانيون في قراءة نتائج زيارته الى ثلاث فئات:

فئة اولى لا تزال تقفل الابواب امام الحلول من خلال الاصرار على مرشح وحيد هو سليمان فرنجية مع دعوة شكلية الى الحوار، يفسرها البعض احيانا ليونة من جانب حزب الله.

فئة ثانية ترفع شعارات بعيدة عن الواقع وغير قابلة للتطبيق في ظل موازين القوى الحالية، بغض النظر عن النقاش حول احقيتها. وتعلن هذه القوى بوضوح رفضها اي حوار يتجاوز الدستور ويؤدي الى تمرير مرشح الفرض.

فئة ثالثة تقرأ الوقائع وتستخلص العبر، طارحة توافقا على اسم وبرنامج، لا على مجرد رئيس يملأ الفراغ. وتسعى هذه الفئة الى اختيار رئيس ميثاقي واصلاحي يكون مقبولا من القوى الوازنة في البلاد ولا يشكل تحديا او استفزازا لأحد.

وفي انتظار عودة موفد الرئيس الفرنسي في تموز على الارجح مع تصور عملي محوره الحوار وفق صيغة معينة ومضمون خلاق، من الثابت ، رغم المكابرة، ان جلسة 14 حزيران فعلت فعلها مع الجانب الفرنسي ودفعته الى اعادة النظر بمقايضة فرنجية-سلام او اي مبادرة مماثلة، لأنها غير قابلة للحياة.

 

مع مغادرة الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي، جان إيف لو دريان بيروت إلى باريس، لتقديم تقريره إلى الرئيس ماكرون، والعودة منتصف الشهر المقبل، أي بعد العيد الوطني الفرنسي، يأخذ الإستحقاق الرئاسي إجازة إضافية، وهو أصلا في إجازة  تمتد إلى ما بعد منتصف تموز على أبعد تقدير، وبالتأكيد لن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى الجلسة الثالثة عشرة في  العشرين يوما المقبلة.

في غياب أي تطور أو أي معطى بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي، تتحرك الملفات التي لها علاقة بالتعيينات، لعدم توسع بقعة زيت الفراغ. وعلى الرغم من أن لا مجلس وزراء الأسبوع الطالع  بسبب عطلة عيد الأضحى المبارك، فإن “تحمية” الأجواء بين قائل بضرورة عقد جلسات مجلس الوزراء، وقائل بلا دستوريتها، مستمر، وذلك استباقا لما يمكن أن يصدر عن مجلس الوزراء في جلسته، في الأسبوع الذي يلي.

داخليا أيضا، تيمور جنبلاط رئيسا للحزب التقدمي الاشتراكي، خاطبه وليد جنبلاط قائلا: “الرفيق تيمور، حضرة الرئيس، الكلمة لك”. رد تيمور: يا وليد جنبلاط، يا والدي، ستبقى القدوة”. وليد جنبلاط ألقى خطابه الأخير الذي يمكن اعتباره خطاب الوصية لتيمور، والذي لم يخل من الإشارات التي يتميز بها جنبلاط الأب، فتحدث عن لقاءات الضرورة ولقاءات الأمر الواقع ولقاءات الصدف. جنبلاط الأب انتقد ضمنا صندوق النقد الدولي من خلال حديثه عن “الوصفات التجميلية التي خربت بلادا بأسرها”، وتمسك بالحوار السبيل الأوحد للوصول إلى التسوية. تيمور، من جهته، تحدث عن “لبنان المدني المتنوع، لبنان العمل لا لبنان التعطيل والشلل، لبنان المؤسسات لا لبنان الشغور،  لبنان الانفتاح لا لبنان العزل والانعزال.

وقبل الدخول في تفاصيل النشرة نشير إلى أمر ملكي، من ضمن أوامر ملكية في السعودية، بتعيين المستشار في الديوان الملكي الاستاذ نزار العلولا، مستشارا بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بالمرتبة الممتازة.

بعيدا من السياسة، البداية من  السياحة والموسيقى والشؤون الأكاديمية والجامعية.

 

حضر الموفد الفرنسي، غادر الموفد الفرنسي، وبعدها انشغال بانتظار موعده المقبل في تموز، واصرار من البعض على اسقاط كل المساعي الداخلية الممكنة لحل ازمة الرئاسة وفرض مزيد من التوقعات والتكهنات.

على هذه الصورة يريد هؤلاء ان يبقى لبنان بلا رئيس ، يرفضون التفاهم والحوار ، اما الاستعانة بدور خارجي مساعد فهو امر مرحب به وفق رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بشرط ان تكون هذه المساعدة خالية من الاوامر وفرض القرارات على اللبنانيين. وبحسب النائب رعد ايضا فان ابواب الحل للازمة الرئاسية ما زالت مفتوحة.

اما ابواب دمشق التي فتحت بالامس على مصراعيها لوزير المهجرين عصام شرف الدين فانها تنتظر خطوة اخرى من التنسيق اللبناني معها في سبيل حل ازمة النازحين وتشكيل فريق عمل مشترك للانتقال الى مرحلة ما تسمى الإعادة الامنية.. فهل يذهب لبنان الرسمي بعيدا في ملف عودة النازحين ويتحرر من الضغوط الغربية مستفيدا من غطاء عودة العلاقات العربية السورية الى مجاريها؟

في لبنان ايضا، لا تجري امور الموظفين مع رواتبهم كما يلزم، وهم سيستقبلون العيد من دون رواتب بسبب الاجراءات الادارية التي حالت الى الان دون انجاز الحوالات بين وزارة المالية ومصرف لبنان وهذا ان حصل بشكله الطبيعي فانه يحتاج اياما عدة قبل ان تصل الاموال الى متناول الموظفين عبر المصارف.

عالميا، وضعت التوظيفات الغربية للتمرد غير المكتمل لفرقة فاغنر على القيادة العسكرية الروسية وضعت موسكو امام خيارات جديدة في ادارة العملية العسكرية في اوكرانيا التي يمنحها الرئيس فلاديمير بوتين أولويته القصوى بموازاة السير في تعزيز القدرة الدفاعية لبلاده، وفق ما اعلن في اول كلام له بعد انهاء تمرد فاغنر.

 

في أقل من أربع وعشرين ساعة كانت سحب النيران تنقشع عن موسكو وعموم روسيا، بعدما نجحت وساطة رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، بالتوصل الى اتفاق مع قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجيين، حيث يتجه الى مينسك كلاجئ سياسي وبالحل السريع تكون بيلاروسيا أمسكت بيدها كرة الحرب ودفعتها بعيدا عن البلاد الأم وأمنت حلا بالتراضي لزعيم حرب الشوارع سرعة لم تتخيلها الخارطة العسكرية وفاجأت من كانوا ينتظرون على نار لاندلع النار.

وإذا كان العالم قد تعاطى مع الحدث الروسي بدهشة وريبة، فإن لبنان لم يكن في موقع إبداء الرأي سوى من خلال الحسرة على سرعة الحلول فدول البلقان كانت تعيش في لحظة دولية على شفير حرب، وتمكنت بوساطة الحلفاء من نزع الفتيل, أما هنا فإن ثمانية أشهر على الفراغ الرئاسي ولا انتخاب على الرغم من تدخل دول خمس وتحريك الوسطاء وآخرهم جان ايف لودريان، وإذ غادر الموفد الفرنسي على وعد العودة في منتصف تموز المقبل، فإن كل المحصول الاستقصائي الذي خلص اليه لن يخوله من تحقيق المعجزة و”أعلى ما في خيله” وخيلنا هو ركوب موجة الحوار والتي ستأخذ اللبنانيين الى صراع متحور من التمثيل وورقة العمل ومكان هذا الحوار والراعي الرسمي له سياسيا، وربما ماليا.

ولليوم فإن كل هذه العوامل غير متوافرة، وصيف الانتخابات مؤجل لحين بلوغ خريف الرئاسية. ومع غياب الصندوق الإنتخابي “انتخبنا تيمور” رئيسا للحزب التقدمي الاشتراكي و”بدموع العين” فبكاء زعيم الحزب وليد جنبلاط أثناء كلمة نجله تيمور بلل الحفل الإنتخابي واستحضر لحظة وجدانية في التسلم والتسليم على عبارة “سر يا تيمور، سر ولا تخف”، والتقط جنبلاط الاب الصورة التذكارية لخلفه بكاميرته الخاصة لكن الصورة اللبنانية في كادرها الأوسع سوف تظل تعترف بوليد كمصور خاص للمشهد السياسي المربك وتحجز له مكانا في الازمات وحلولها وبيض قبانه، ومن هذه الحلول التي مشى جنبلاط بالدعوة اليها هي الحوار قائلا إنه السبيل الأوحد للوصول إلى التسوية وتكريس المصالحة، وتمنى أن تستمر المسيرة مع من أسقطنا معهم شعار 17 أيار.

وبنفس حواري تحدث رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محد رعد قائلا للخصوم: لنجلس ونتفاهم ونقنع بعضنا بعضا و”صحتن ع قلب الي بيطلع”.. فنحن نعترف أننا لا نستطيع أن نأتي بمرشح من دون تعاونهم ولا هم كذلك: فما الحل؟ الحل هو التفاهم أجاب رعد. واضاف الى اجوبته ” اهلا وسهلا” باي دور مساعد، سعودي قطري  الماني لكن تعالوا لنتفاهم. فهل ستؤشر هذه الدعوة الى بدء تركيب الطاولة الدولية برعاية عربية؟

وبالتزامن مع تكرار الاسئلة عن  الدور والمكان وطبيعة الحوار والحراك الفرنسي الذي سيصب في القناة السعودية لاحقا برز تطور في ترفيع نزار العلولا، بأمر ملكي سعودي وتعيينه مستشارا بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بالمرتبة الممتازة. وهذا التعيين سيعزز من حضور العلولا في الملف اللبناني.