/ جورج علم /
ماذا بعد إقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إتيمار بن غفير لمجمع المسجد الأقصى؟ وما هي الخطوة التالية؟
كانت ردود الفعل غنيّة بمفردات الشجب، والإستنكار، لكن لم تظهر مخالب حادة مستنفرة للردع، والإقتصاص إذا ما تكرّرت المحاولة.
واكتشفت واشنطن باكراً وجود عطبين في الحكومة اليمنيّة المتطرّفة:
الأول، ظهور صراع الأجنحة الى العلن، بعد مرور ثلاثة أيام فقط على نيلها ثقة الكنيست، ما بين رئيس تكتل الليكود بنيامين نتنياهو، ورئيس حزب “العظمة اليهوديّة” بن غفير. وإن حكومة تدار برأسين لا يمكن أن تعمّر طويلا.
الثاني، بيان وزاري طافح بالكراهيّة، والإنتقام، وتصفية الحسابات المفتوحة مع الضفّة الغربيّة، وقطاع غزّة، وتهويد القدس، وتغيير المعالم التاريخيّة للأماكن المقدّسة، واستخدام القوّة لترسيم حدود استراتيجيّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة إنطلاقا من لبنان وسوريا، وصولاً الى المفاعلات النوويّة.
وتنطلق محاولة تصفية الحسابات مع سوريا، من جبهتين مفتوحتين: الغارت التي يقال بأنها تستهدف ثكنات عسكريّة، وتجمعات مسلّحة، ومستودعات أسلحة، ومصانع صواريخ ومسيّرات، ومنع التمدد الإيراني من بلوغ جبهة الجولان المحتل. وجبهة التعاطي مع المتغييرات الجيوسياسية في الداخل السوري، بعدما حقق الحوار مع أنقرة خطوات بناءة إنطلقت من الدوائر المخابراتيّة، صعوداً إلى الدوائر الدبلوماسيّة المهتمّة حاليّاً بإعداد قمّة محتملة بين الرئيسين بشار الأسد ورجب الطيّب أردوغان، على وقع دفع روسي في هذا الإتجاه، وحذر إيراني، وقلق أميركي من الانعكاسات المحتملة على الإقليم الكردي.
وتحاول إسرائيل، وبإصرار، أن يكون لها موقع ودور وسط هذه المتغيرات، وفق ما تقتضي مصالحها التوسعيّة.
أما لبنان، فيبدو في وضع مختلف، إذ سبق لليمين الإسرائيلي المتطرّف، بدءاً من وزير الشؤون الإستخبارية السابق بسرائيل غاتس، وصولاً إلى رئيس الوزراء، وغيرهما، أن هددوا بتدمير لبنان، وإعادته إلى العصر الحجري. لقد قام المسؤولون اللبنانيّون بهذه المهمة، نيابة عن الإسرائيلييّن، ودمروا بلدهم، وأعادوه، ليس إلى العصر الحجري، بل إلى جهنم، وحوّلوه مجرّد عقار مشاع مباح لشتى أنواع التسويات، والمقايضات، وحديقة حافلة بقوافل الجواسيس والعملاء، حيث في كلّ يوم حكاية لهؤلاء تتفرّد بها وسائل الإعلام المحليّة، والخارجيّة.
وواصل “حزب الله” من وتيرة خطابه. كان الأمين العام السيّد حسن نصر الله واضحاً خلال إطلالته التلفزيونيّة الأخيرة، قال بأنه يريد رئيساً لا يطعن المقاومة. قبل أسابيع من نهاية السنة المنصرمة 2022، طالب برئيس يحمي المقاومة. اليوم يقول بأن المقاومة ليست بحاجة إلى حماية، بل إلى رئيس لا يطعنها بالظهر، لكن السفيرة الأميركيّة دوروثي شيا تريد رئيساً يكمل حلقات التطبيع مع إسرائيل، وقد نالت تكريماً استثنائيّاً من إدارة الرئيس جو بايدن من خلال تعيينها مندوبة لبلادها مطلقة الصلاحيات في الأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، وذلك على الدور الكبير الذي لعبته بعيداً عن الأضواء لإنجاز تفاهم ترسيم الحدود البحرية وفق خريطة الطريق التي أعدّها آموس هوكشتاين. ودورها خلال ما تبقى لها من مدّة زمنيّة في بيروت ـ وهي تحتسب بأشهر ـ محاولة انتخاب رئيس يحمي تفاهم الترسيم، ويطوّره أكثر بإتجاه ترسيم حدود مصالح اقتصاديّة وأمنية انطلاقا من البحر باتجاه برّ “الخط الأزرق”.
كان نتنياهو أشد المعارضين لتفاهم الترسيم، وقال بأنه سوف يمزّقه فور وصوله إلى موقع القرار، لكن عندما وصل، بدّل الأولويات، وبدلاً من أن يمزّق، أطلق العنان لشركات النفط كي تستثمر حقل “كاريش الأكبر”، حيث بواخر الإستخراج تعمل بكامل طاقتها في بحر الناقورة بدون حسيب أو رقيب، لأن اللبنانيين منهمكون في ترتيب أولوياتهم، إنطلاقا من الإستحقاق، حيث يريد كلّ منهم رئيساً طبقاً لمواصفات مصالحه، أو مصالح الدولة التي يرفع لواء الولاء لها.
وشاء القدر أن يخدم نتنياهو معنويّاً بعد حادثة العقابيّة التي أودت بحياة الجندي الإيرلندي. لقد فضحت الحادثة التكاذب الدولي عندما صدرت الكثير من التقارير الصحفيّة التي تدين محاولة إنتهاك حرمة المسجد، في الوقت الذي كانت تبادله (نتنياهو) برقيات التهنئة على توليه رئاسة الحكومة، وتطلب منه إعتماد سياسة تحمي جنودها المنخرطين في قوات (اليونفيل).
ويدور حاليّاً صراع بين غلاة المتطرفين حول من يريد إستخدام القوّة لحماية المصالح النفطيّة في بحر الناقورة الواسع، وبين من يريد تفعيل الدبلوماسيّة ـ مستغلّاً حادثة العقابيّة ـ على صعيد الأمم المتحدة، والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، والدول المشاركة في قوات (اليونيفيل)، لعقد جلسة تُخصّص لقراءة نتائج التحقيق الذي أجرته المنظمة الدوليّة، والبناء عليه لجهة المطالبة بتعديل مهام (اليونيفيل) لتتحوّل إلى قوة ضاربة تحت شعار الدفاع عن النفس.
وتعمل وفود إسرائيليّة حاليّاً داخل الولايات المتحدة مع إدارة الرئيس جو بايدن، ومع الكونغرس، على ملف الإستحقاق الرئاسي إنطلاقا من سياسة مرسومة تجاه لبنان. كما تنتشر وفود مماثلة في بعض العواصم الأوروبيّة المعنيّة بالملف اللبناني لهذا الغرض. وتقوم السياسة “التسويقيّة” التي تعتمدها هذه الوفود على حجّتين ملتبستين:
- إن التباينات العميقة بين المكوّنات اللبنانية، قد أجهضت مقولة “لبنان الرسالة، وحوار الأديان، والثقافات”.
- إن اللبنانيّين الذين تفنّنوا في تدمير بلدهم، فقدوا “شرف” إخراجه من حيث هو، لأن لا قدرة لهم على ذلك في ظلّ السلاح المتفلّت والموظف في خدمة أجندات خارجيّة، بل سيكون بفعل توافق خارجي حول خريطة طريق ترسم بدقة حدود مصالح هذه الدول ـ وضمناً إسرائيل ـ بلبنان الآتي من عواصم الريح!