/هبة علّام /
تكاد تكون أزمة الكهرباء في لبنان السبب الرئيسي لكل الأزمات الأخرى وتداعياتها. فهذا القطاع الحيوي والمهمّ لباقي القطاعات وديمومتها، يُنازع منذ أكثر من 30 عاماً.
لم تُقدّم كل السلطات المتعاقبة أي حلول جذرية من شأنها تأمين الكهرباء بشكلٍ متواصل للبنانيين، أسوة بباقي الدول، بل كانت الحلول دائماً مرحلية ومبنيّة على صفقات غُبّ الطلب، لم تنتج سوى المزيد من الهدر في القطاع، والكثير من العجز في ميزانية الدولة والاستدانة عبر استهلاك موجودات الخزينة.
مليارات لا تُعدّ صُرفت على الكهرباء من دون أي جدوى، وأُهدرت في شراء الفيول هنا واستئجار بواخر هناك، ولو أنها صرفت على إنشاء معامل جديدة متطورة لما كان وقع الأزمة الاقتصادية اليوم بهذا الشكل.
وعلى الرغم من ذلك، انحدر مستوى إنتاج الكهرباء منذ عامين بشكل غير مسبوق، وعملياً يعيش اللبنانيون في عتمة شاملة إلا من رحم كهرباء المولدات والطاقة الشمسية.
لكن القطاع اليوم يتّجه نحو الانهيار الكامل، فيما الحلول أمام المعنيين كثيرة، كان أولها “شبه الهبة” العراقية، وثانيها عملية استجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا، وثالثها “مشروع الهبة” الإيرانية. إلا أن الحلّين، الثاني والثالث، مجمدين بفعل العراقيل الخارجية والداخلية.
فعلياً، مسألة استجرار الغاز قد تكون أكثر فاعلية من الهبة التي تعتبر حلاً مؤقتاً، في الوقت الفاصل، حتى يُفرج صندوق النقد عن التمويل.
أوساط متابعة، لفتت لموقع “الجريدة” إلى أن “السجال الدائر حول هبة الفيول الإيراني وتأخير البت فيها، سجال سياسي ولا يتعلّق بانتظار مسألة مطابقة مواصفات الفيول الايراني مع المواصفات المطلوبة للمعامل في لبنان، فالأمر ليس معقداً لهذه الدرجة، لا سيما وأن المواصفات باتت بعهدة الجانب الإيراني ويمكن استبداله بفيول مطابق كما هو الحال مع الفيول العراقي”.
وأشارت الأوساط إلى أن المطلوب أن لا يكون هناك حل لأزمة الكهرباء، وعلى الرغم من الحديث عن استثناء لبنان من قانون العقوبات الأميركي “قيصر” على سوريا، إلّا أن السماح هذا بقي صورياً، والدليل على ذلك المماطلة من جانب البنك الدولي لتمويل المشروع، وبالتالي، على المعنيين القبول بكل الحلول الممكنة اليوم، لتحسين وضع التغذية، ريثما يتجرأ أحد في هذه السلطة على اتخاذ القرار والبدء بحل جذري ونهائي لهذه الأزمة.
أمّا لجهة الفيول الإيراني، فلفتت الأوساط إلى أنها ليست المرة الأولى التي يعرض فيها الجانب الإيراني على لبنان التعاون في هذا المجال، مذكرة بعرض بناء المعامل الذي كان يعتبر فرصة ذهبية لا تُعوّض. واليوم، لبنان أيضاً أمام مساعدة يمكنها أن تؤمّن كهرباء للبنانيين بساعات تفوق الساعات التي سيؤمنها استجرارها من مصر، وبالتالي رفض هذا الطلب في ظل هذه الظروف الصعبة هو ضرب من الجنون، لاسيما وأن الهبة الايرانية مجانية بدل تكبد المزيد من النفقات في عقد صفقات من هنا وهناك ولا تؤمن التغذية المطلوبة ولا تمنع الهدر القائم.
وعلى ما يبدو، قد تكون إيران مستعدة دائماً، وبشكل متكرر، لتقديم مثل هذه الهبة بوساطة حزب الله.
وأضافت الأوساط: “لا داعي للخوف من أي عقوبات، فهذه هبة، وبالتالي لا تحتاج سوى لقرار من مجلس الوزراء. لكن يبدو أن الخوف من “الزعل الأميركي” لا زال يسيطر على القرار الإداري في الدولة، خوف يفوق كرامة اللبنانيين وحياتهم. فلماذا تُقبل كل الهبات مباشرة ومن دون أي ضجة لكن عندما يتعلّق الأمر بإيران تقوم الدنيا ولا تقعد؟”.
واعتبرت الأوساط نفسها، أن كل ما يقدّم من هبات أو عقود مؤقتة، ليست حلاً ولن تكون، لكنها تسعف الأمور في الوقت الراهن، لافتة إلى أن اللبنانيين بحاجة إلى كهرباء 24/24 ساعة، حتى تتحسن الأوضاع في البلد، فوجود الكهرباء يؤثّر على حياتهم بشكل مباشر وعلى قدرتهم الشرائية واستمراريتهم الاقتصادية والحياتية. وعندها لن يكونوا بحاجة إلى المولدات، فيذهب هذا الكارتيل غير مأسوف عليه، ويدفع اللبناني فاتورة واحدة عادلة، فتتأثر بذلك أسعار كل البضائع والمواد.
إذاً، حلّ أزمة الكهرباء من شأنه تسهيل حياة اللبنانيين كثيراً في هذه الظروف، وهو ملف أساسي في رزمة الإصلاحات المطلوبة لإعادة ترميم ما انهار في السنوات الماضية. لذلك يفترض وقف المراوغة وإضاعة الوقت ووضع كل الاعتبارات جانباً، ووقف حفلات التجاذب في هذا الملف، وقبول كل ما يمكن أن يؤمن للبنان ولو ساعة إضافية من التغذية الكهربائية، لا بل الإسراع في بناء معامل أياً تكن الدولة المستثمرة، خصوصاً مع وجود عروض لذلك من إيران والصين وغيرها باستثناء أميركا التي تعرقل ولا تقدم أي عرض بالمقابل.