أيمن الظواهري.. مسيرة طبيب من “الجهاد” إلى “القاعدة”!

فصل آخر من فصول تصفية الحسابات بين الولايات المتحدة الأميركية وتنظيم “القاعدة”، كان مع اغتيال أيمن الظواهري، خليفة أسامة بن لادن الذي قتلته القوات الأميركية قبل 11 سنة.

وما بين توليه زعامة “القاعدة” في 2011 والمشهد الأخير لأيمن الظواهري في 2022، كانت رحلة صعود لافتة لعقل متشدد رافق بن لادن، وأسسا معاً تنظيم “القاعدة” قبل نحو 3 عقود، والذي لاحقته واشنطن وغزت أفغانستان عسكرياً قبل نحو عقدين بحجة القضاء على تنظيم “القاعدة”.

من هو أيمن الظواهري؟

أيمن محمد ربيع الظواهري، طبيب مصري، أخصائي في جراحة العيون. ولد في حزيران من العام 1951، في عائلة ميسورة جمعت بين التعمق في الدين والانشغال بالعمل العام، ومن أبرزهم، جده لوالده الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، شيخ الأزهر (1929-1935)، وعم أمه عبد الرحمن عزام باشا أول أمين عام للجامعة العربية (1945: 1952).

ليس بن لادن وحده من أشعل جذوة العنف في عقل الظواهري أو صدره لقيادة تنظيم مسلح، فرحلة الأخير في مصر، بلده الأم التي طالها أيضاً بعملياته، تستحوذ أيضاً على مساحة أكبر في رحلة الظواهري.

التقى أيمن في بدايات عمره بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، لكن بعد عقود نسب له كتاب “الحصاد المر: الإخوان المسلمون في 60 عاماً”، لينقلب على أفكار الجماعة ويتهمها بالانحراف.

في كتابه “الحصاد المر”، كان الظواهري يؤسس لفكر جماعة “الجهاد” (تأسست العام 1973)، الرافض لمن “يحكمون بغير ما أنزل الله”، وحتمية مواجهتهم.

وبعد أن نال شهادة في الطب من جامعة القاهرة عام 1974، انضم إلى منظمة “الجهاد” المتطرفة، المحظورة في مصر، والتي أصبح زعيمها في ما بعد. وقد أمضى ثلاث سنوات في السجن بتهمة الضلوع في اغتيال الرئيس المصري أنور السادات العام 1981 الذي اتهمت منظمة “الجهاد” بالضلوع فيه.

النمط الجديد في فكر الظواهري مع جماعة “الجهاد”، لم تغيره دراسته للطب وتخرجه من الجامعة العام 1974، وقاده مبكراً إلى السجن ضمن المتهمين باغتيال الرئيس المصري أنور السادات في 6 تشرين الأول 1981، متحدثاً بلغة إنجليزية وطارحاً أفكاراً متشددة من خلف قفص الاتهام.

وقتها حُكم على الظواهري، بالسجن 3 سنوات بحيازة أسلحة بصورة غير مشروعة، في تجربة عمّقت أفكاره المتشددة أكثر، ودفعته، بعد الإفراج عنه، لشدّ الرحال إلى جدة ثم إلى باكستان ليستقر بعدها في أفغانستان.

ومع العام 1993، أسس الظواهري جناحاً مسلحاً لجماعة الجهاد، عرف بتنظيم “طلائع الفتح”، ويُنسب له تخطيط هجمات في مصر طالت مسؤولين مصريين وأجانب، وسفارة مصر في باكستان العام 1995، قبل أن يُدان من محكمة مصرية في 1999 بالإعدام غيابياً.

كان الظواهري أيضاً الطبيب الشخصي لبن لادن وذراعه اليمنى، وقد ظهر إلى جانبه في عدة تسجيلات مرئية بثت بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول 2001، كما أصدر الانتربول مذكرة توقيف في حقه.

كما نشط دور الظواهري مع تأسيس تنظيم “القاعدة” مع بن لادن، وتوليه قيادة التنظيم في 2011، حتى آخر ظهور له في أيار الماضي وهو يحيي ذكرى بن لادن.

وكتبت “فورين بوليسي” أن الظواهري “لم يشكل ربما حالة عبادة شخصية” مثل بن لادن إلا أنه “كان خطيراً بالقدر نفسه على الولايات المتحدة”.

توفيت زوجته المصرية وابنه على الأرجح في القصف الأميركي على أفغانستان في أيلول/سبتمبر 2001. وتزوج مرة ثانية أنجبت زوجته طفلة في 2005.

تقول الرواية الأميركية إن صاروخاً أطلق من طائرة مسيّرة أميركية، حدد موعده قبل أسبوع، تمكن من انهاء حياة الظواهري، محققاً هدفها الذي فشلت في تحقيقه بداية العام 2006، بعد عملية استهداف قرب الحدود الباكستانية الأفغانية، نجا منها الظواهري آنذاك.

ووفق ذلك، يكون الظواهري ضمن أول عملية استهداف لواشنطن في أفغانستان منذ انسحاب قواتها في آب 2021، وثالث صيد ثمين لواشنطن في عهد الرئيس جو بايدن في الـ 6 أشهر الأخيرة، بعد إعلانها قتل زعيمين لتنظيم “داعش” في سوريا: أبو إبراهيم الهاشمي القرشي في شباط الماضي، وماهر العقال في تموز الماضي.

وتتزامن تلك العمليات في عام يشهد الانتخابات النصفية في الكونغرس في تشرين الثاني المقبل، وربما وفق مراقبين يكون لهذا الصيد الثمين مكاسب حزبية لبايدن في تلك المعركة الانتخابية.

نجاح واشنطن في اغتيال الظواهري، حتى بعد الابتعاد عسكرياً عن المشهد الأفغاني، يعود وفق ما تقول إلى اتهامه بالتخطيط في استهداف مدمرة أميركية في اليمن العام 2000، والمساعدة في تنفيذ أحداث 11 أيلول 2001 في الولايات المتحدة، مما دعاها لإدراجه في قائمة أكثر الإرهابيين المطلوبين لديها ومنح مكافأة تصل إلى 25 مليون دولار لمن يدلى بمعلومات عنه.

وكان آخر ظهور للظواهري في أيار الماضي، في تسجيل مصور متحدثاً عن ذكرى وفاة بن لادن، متهماً واشنطن بـ”الضعف”.

لحق الظواهري برفيق نهجه المتشدد، باستهداف أميركي أيضاً بعد أقل من 3 أشهر من إحيائه ذكرى بن لادن، ونحو 3 عقود من تعارف جمعهما بأفغانستان، مهد لأبرز العمليات التي طالت عدة دول على رأسها الولايات المتحدة.