/ هبة علّام /
على أبواب بداية شهر آب، يكثر الحديث عن الخطوة التي تعمل عليها حكومة تصريف الأعمال في ما يخصّ الدولار الجمركي لإقراره في موازنة العام 2022 ليصبح على سعر منصّة صيرفة، أي من 1.500 ليرة إلى نحو 25.600 ليرة.
هذا القرار الذي فاحت رائحته مع أزمة رواتب القطاع العام، وما حُكي عن أن رفع الدولار الجمركي من شأنه تأمين إيرادات لتغطية رفع الرواتب، لكنّه بالمقابل أثار سخط الرأي العام على اعتبار أنّ له تداعيات مخيفة على المواطنين، اقتصادياً واجتماعياً، على الرغم من كل التطمينات الرسمية بأنه سيقتصر على الكماليات وبعض الرسوم، من دون تأثير مباشر على المواطن.
لكن من الناحية الاقتصادية، فإن الواقع سيكون مغاير تماماً، لأن اعتماد الدولار الجمركي على سعر منصة صيرفة دفعة واحدة، من دون خطة شاملة، سيزيد من معاناة المواطنين، وسيعمّق هوة الفقر.
يقول خبراء اقتصاديون إن مسألة رفع قيمة الدولار الجمركي تُعتبر إشكالية صعبة جداً، لأن هناك مشكلة أساسية تتمحور حول كيفية رفع الدولار الجمركي من دون رفع دولار الـTVA، وهذا يعني أنه على السلعة نفسها سيُدفع دولار جمركي على سعر منصة صيرفة فيما سيُدفع دولار الـTVA على سعر 1500 ليرة. بالتالي، هناك صعوبة تقنية لتنفيذ هذا القرار، وخصوصاً بالنسبة إلى الدولة اللبنانية، إضافة إلى أننا إذا احتسبنا أن هذا الارتفاع سيأخذ المعدل الوسطي للرسم الجمركي 5% ومعه 11% TVA، يعني رفع قيمة السلعة % 15، أي ضرب 5 مرات سعرها الحالي، وهذا الأمر من شأنه أن يرتّب تداعيات خطيرة وسلبية، خصوصاً في ظلّ هذا الوضع الاقتصادي.
لذلك، يرى الخبراء شبه استحالة بالانتقال مباشرةً إلى هذا الرقم من الارتفاع في القيمة، وأغلب الظن أنّه ستكون هناك عملية نقل تدريجي قد تُعتمد كخريطة طريق، من خلال رفع السعر تدريجياً للوصول إلى سعر منصة صيرفة، معتبرين أن الدولار الجمركي بدعة، فالدولار يجب أن يوازي سعر الصرف بالمنطق الاقتصادي. وفي ظل هذا التدهور الحاصل لا يمكن القفز هكذا إلى حدود منصة صيرفة مرة واحدة، بالرغم من أن هذه الإجراءات وما يوازيها، تُعدّ بمثابة إشارات تُفيد بالتوجّه نحو توحيد سعر الصرف على هذا الأساس.
ويشير الخبراء إلى أنّ هذا الإجراء سيؤدي حكماً إلى خفض حجم الاستيراد، بسبب ارتفاع قيمة الضرائب، ولأن الأسعار سترتفع، وبالتالي سينخفض حجم الاستهلاك، لذلك سنشهد ازدياداً للعروض والخدمات التي تطال عملية جلب البضائع والسلع إلى لبنان من دون المرور بالجمارك، أي سيرتفع حجم التهريب إلى داخل لبنان بصورة مخيفة.
ويشرح الخبراء أيضاً، أن كل ذلك من نتائجه غلاء الإنتاج اللبناني، حيث ستصبح كلفته عالية، ما يعني ازدياد الكلفة على التجار وبالتالي ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين إلى مستويات سترتفع بموازاتها نسب الفقر، وهذا الأمر خطير جداً.
لذلك، وبحسب الخبراء، لا بد من مقاربة شاملة وعامة للسياسات الاقتصادية، في حال الإصرار على رفع الدولار الجمركي، وأن يكون هذا القرار ضمن سلة واسعة من القرارات الأخرى، مثل ضبط كل أشكال التهريب إلى الداخل اللبناني والتي سيتم اللجوء إليها للتنصّل من دفع الرسوم، وإيجاد خطة موازية لتحفيز الصناعة والزراعة، حتى يتمكّن لبنان من خفض نسبة الاستيراد عبر تأمين السلع والبضائع محلياً.
إذاً، الأمور متوقّفة على مدى ارتباط الدولار الجمركي بمروحة واسعة من القرارات التي من شأنها أن تلجم أي تداعيات سلبية على المواطنين، وإلا سيؤدي قرار الحكومة، ومعها مجلس النواب، إلى حصول “الارتطام الكبير” فوراً، وبالتالي الذهاب إلى ما يشبه الإعدام الجماعي للشعب اللبناني.














