/ غاصب المختار /
يسبح لبنان، الرسمي والسياسي، في فضاء آخر سوريالي بعيد عن الفضاء الواقعي الذي تعيشه المنطقة، من حدود تركيا الى سوريا فالعراق وايران وبعض دول الخليج العربي، وكأنه في حالة انفصام خطير لا علاج له، نتيجة التعقيدات المحلية، المصطنع منها والمكرّس بالدستور أو بالعرف أو بقوة الامر الواقع، ونتيجة تشابك المصالح الصغيرة الطائفية والسياسية والنفعية، ما جعل دول العالم، ولا سيما الشقيقة والصديقة، تسحب أيديها وتُشيح أعينها عن هذا “الجُرم” الذي يُشكّل كياناً هجيناً لا يُشبه أي “جُرم” آخر من أجرام الفضاء الواقعي.
تغرق البلاد في أزمة صلاحيات لا معنى لها، ولا مسؤولية يتحملها المسؤولون عن مصير البلاد والعباد، فكلٌّ يرميها على الآخر. وهكذا تنتقل البلاد من أزمة فراغ سياسي ودستوري إلى أزمة خواء فأزمة لامبالاة، وصولاً الى ما يوصف بـ”الارتطام الكبير والخطير” الذي حذر منه الموفد الفرنسي بيار دوكان خلال وجوده في بيروت.
رئيس الحكومة ينتظر اتصالاً من رئاسة الجمهورية لتحديد موعد لزيارة القصر، لعرض رأيه في الملاحظات التي قدمها رئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية الوحيدة التي قدمها الرئيس المكلف. والرئيس ميشال عون يرى أن لا داعي للاتصال لتحديد موعد طالما أنه أعلن أن أبواب القصر مفتوحة لميقاتي للحضور ساعة يريد، “على أن يحمل شيئاً جديداً بخصوص التشكيلة الحكومية”… وهكذا يغرق تشكيل الحكومة في “الشكليات” و”الإنتظارات”.
ثمة كثير مما ينتظره العالم من لبنان، لكنه في فضاء آخر. لا إصلاحات ولا حكومة جديدة، ولا ترسيم للحدود البحرية بانتظار الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، ولا مالية عامة منتظمة، وجلسات تشريعية “غُبّ الطلب” السياسي والدولي، وثمة ترويج مخيف، وفي أحيان كثيرة غير مبرر، من حصول فراغ رئاسي ومما بعد الفراغ الرئاسي.
البلد متروك وهو يسير بدفع من “روح الله”… لكن إلى أين؟
كان الرهان على من تسمي نفسها “قوى تغيير” في أن تترك تغييراً ولو بسيطاً في الأداء الرسمي، وتدفع نحو تحقيق نوع من الإصلاح والصلاح في النظام السياسي، لكن الأشهر التي تلت الانتخابات حملت للناس صدمة تلو صدمة من أداء هذه القوى. وقبله الرهان على مبادرات عربية ودولية ثبت أنه رهان في غير محلّه، لأن “الجُرم” اللبناني في غير محله الطبيعي ضمن “الكون السياسي”.
على من سيراهن اللبنانيون إذاً للإصلاح والتغيير؟
يقول الله في كتابه الكريم: “لا يُغيّر الله ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم”. ويبدو أن اللبناني أدمن عدم التغيير والتعلّق بجلاديه. بانتظار ما ستقرره دول العالم المعنية بالنسبة لنا من حلول بعد انتهاء التسويات الدولية والاقليمية، التي قد نرضاها وقد لا نرضاها، لكنها ستكون مفروضة فرضاً!