/ خلود شحادة /
مرّ خبر محاولة مدعي عام جبل لبنان القاضي غادة عون “القبض” على رياض سلامة، تكراراً، من دون تفاعل كبير على مستوى المؤيدين لاعتقال رياض سلامة باعتباره “مسؤولاً عن الانهيار المالي في لبنان”.
هل ثمة متغيّر في مزاج الناس “يتعاطف” مع رياض سلامة؟ أم أن اللبنانيين الذين “يشيطنون” سلامة يئسوا من إمكانية خضوعه للمحاسبة، بعد أن تيقّنوا بوجود مظلّة حماية كبيرة تحمي رأسه من “الفؤوس” التي تريد “قطع رأسه”؟!
“غادة عون تلاحق سلامة وتحاول دخول مكتبه”.. عنوان منذ فترة تقريباً، كان كفيلاً بأن يخلق حالة شعبية متضامنة مع عون في مواجهتها الشرسة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أما اليوم فقد بات السيناريو محفوظاً عن ظهر قلب لدى الناس، “ستحاول الدخول، تمنعها القوى الأمنية، تصر وتتمكن من تحقيق هدفها، ولا تجد رياض سلامة.. لتخرج بعدها وتتهم الآخرين بالتخاذل لصالح سلامة”.
مداهمتان لمنزل سلامة، وواحدة لمكتبه في مصرف لبنان، والتي تعتبر تطوراً لافتاً في مسار المواجهة المفتوحة بين فريق العهد، وبين “حزب رياض سلامة”. لكن، وعلى أهمية هذا التطور، بما تضمّن من خطوة غير مسبوقة بدخول القاضي غادة عون إلى مصرف لبنان مع “ثلّة” من عسكر أمن الدولة، لم تمنح “فريق العهد” فوزاً، ولا حتى بالنقاط.
هل كان المطلوب توجيه رسالة أكثر من تنفيذ فعل “إلقاء القبض” على حاكم المصرف المركزي؟
هل يعقل أن رياض سلامة تحوّل إلى “شبح” لا يظهر على غادة عون وعسكر أمن الدولة؟
بالتأكيد، ثمة ما يمنع غادة عون من “اصطياد” سلامة، ربما بقرار مسبق من الفريق الذي يريد “رأس الحاكم”، لأنه يدرك أن التداعيات ستكون أكبر من قدرته على احتوائها. ولذلك فإنه يعمل على “تجميع النقاط” التي تجعله يستفيد منها في اللحظة المناسبة، خصوصاً أنه نجح في تكوين قناعة لدى الرأي العام بتحميل رياض سلامة المسؤولية الأساسية في الانهيار، على قاعدة ما ينسب إليه من هندسات مالية والتصرف بأموال المودعين.
ما الذي يمنع فعلياً الإطاحة بحاكم “المركزي”؟
هناك، بالتأكيد، عوامل داخلية، معطوفة على مداخلات خارجية، ما تزال تحول دون قرار إزاحة سلامة.
داخلياً، ينقسم أعضاء الطبقة السياسية. البعض يدعم رياض سلامة علناً ويشد على يده ويغطيه، وآخرون يكتفون بموقع المتفرج شكلاً لكنهم من أعضاء “حزب المصرف”. وبعض آخر “يركب الموجة”، فيقف ضد سلامة حين يكون المزاج العام ضده، ويقف مع سلامة ويدافع عنه حين يكون المزاج العام بارداً.
وحده التيار الوطني الحر تبنى قضية عزل الحاكم، على الرغم من أنه هو عينه من جدد لسلامة قبل أربع سنوات من خارج جدول الأعمال لجلسة الحكومة آنذاك، وهو عينه الذي التزم الصمت التام عندما خاض الرئيس السابق حسان دياب معركة الإطاحة بسلامة وتعيين حاكم جديد.
تتعدد الموانع التي تقف بوجه عزل رياض سلامة. وبالغوص في الداخل اللبناني، فإن القسم الأكبر من القوى السياسية يرفض ذلك، ومنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يرى “أن المرحلة تستوجب بقاء الأعلم بحال الواقع المالي والاقتصادي”.
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فيستشرس بالدفاع عن سلامة، ويرفض رفضاً قاطعاً أي حديث عن اقصائه في هذه الفترة.
حزب الله يقف على حياد، بانتظار ما ستنتجه المعارك مع الحاكم.
أضف إلى هؤلاء، “جيش” من السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين الذين يقومون بمهمة “حائط الصد” عن “الحاكم”.
لكن عنصراً أساسياً يلعب دوراً في حماية الحاكم، وكذلك في لجم الاندفاعة نحو الإطاحة به، مرتبط بالخلفية الطائفية، حيث أنه عزل سلامة في الوقت الراهن،سيؤدي الى شغور الموقع الماروني، نتيجة حالة تصريف الأعمال التي تعيشها الحكومة، وبالتالي ستؤول صلاحية الحاكم الماروني رياض سلامة، نائبه الأول، الشيعي، وسيم منصوري، وهذا ما يرفضه البطريرك الماروني بشارة الراعي، ومن خلفه عدد من القوى والشخصيات المارونية.
خارجياً، لم تنفع الحملة الفرنسية على رياض سلامة في زعزعة مظلة الحماية الأميركية، التي ما تزال تغطي سلامة وتلجم الاندفاعة الفرنسية لمحاسبته.
من هنا، يبدو واضحاً أن حاكم “المركزي” ما زال قوياً في موقعه، ويملك ما يكفي من الأوراق التي تؤمن له حماية داخلية وخارجية، في انتظار أن يُؤمَن له المخرج المناسب.