/سارة طهماز/
أقفلت كافة الدوائر الرسمية أبوابها في13 من الشهر الجاري بعد إعلان الموظفين إضراباً مفتوحاً إلى حين تحقيق لائحة مطالبهم، وعلى رأسها تصحيح أجورهم وبدلات النقل والتقديمات الصحية والتعليمية، الأمر الذي أحدث شللاً في القطاع العام، بحسب وصف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في اجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة معالجة تداعيات الأزمة المالية على سير المرفق العام، الذي عُقد في السراي الحكومي أمس، بحضور مختلف الجهات المختصة بهذا الشأن.
خطوة موظفي الإدارة العامة لم تكن مفاجئة.. فمنذ ما يزيد عن العام بدأوا إضراباً تحذيرياً اتخذ منحى تصاعدياً، حتى وصل مستوى الحضور اليومي في الادارات الى يوم واحد في الأسبوع، على أمل أن يتم أخذ مطالبهم بعين الاعتبار، وعندما لم يتحقق ذلك لم يجدوا أمامهم سوى الاعتكاف، بسبب عدم مساواتهم مع باقي القطاعات، وحتّى عدم منحهم ما أقرته الحكومة من رفع بدل نقل ومساعدات وغيرها هلّلوا لها في اجتماعات سابقة، راسمين أحلاماً وردية للموظف الذي بات راتبه لا يساوي بدل نقله يومياً إلى مكان عمله، ولا تحصيله القوت اليومي بسبب ما تشهده البلاد من أزمة اقتصادية دفعت كافة أسعار السلع نحو الصعود و”الدولرة”.
إنَّ جلَّ ما ناله الموظفون هو حلٌّ مؤقت إلى حين إيجاد الحكومة الحل الجذري عله ينتشلهم من المأساة، ويكفّ عنهم شبح الفقر والعوز الذي بات يهدد كل منزل وعائلة وقطاع، وتظهر ذلك “بعرض رقيب أول في قوى الامن الداخلي ابنه للبيع!”، كما أشيع. بمعزل عما إذا كان هذا الخبر صحيحاً أم مجرد شائعة للضغط باتجاه تحقيق المطالب، إلا أننا أمام مأساة فعلية.
الخبير الإقتصادي أكرم شعيب، يوضح في حديث لموقع “الجريدة”، أن في لبنان ما يقارب الـ 300 ألف موظف، وهناك 93 مؤسسة عامة تضم المستشفيات والجامعة اللبنانية والوزارات، ويستحوذ موظفو القطاع العام على ثلث الموازنة العامة، مما أثر بطريقة مباشرة على التضخم الحاصل خصوصاً بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017، وفي الوقت الحاضر مجرد مطالبة الموظفين برفع الرواتب، وهو حق مشروع، ستذهب الأمور نحو التضخم الإضافي الذي سيرفع من سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
لذلك تبحث الدولة الآن عن خطة لتغطية الرواتب، وأحد بنودها هو “الدولار الجمركي”، ولكن لا يعتقد شعيب أن عائدات هذا “الدولار” ستغطي كلفة رواتب الموظفين البالغة تقريباً 9 مليار ليرة، مع الأخذ بعين الإعتبار أن طرح رفع أجور القضاة قد رفض صيغته رئيس مجلس النواب نبيه بري كونه ليس منصفاً، ولا حتّى مفيد اقتصادياً.
ويلفت شعيب إلى أن وضع الموظفين بوجه الناس بدل مواجهة الدولة مرفوض، فالأزمة الأولى هي توقف أشغال الناس إثر توقف القطاع العام الذي يسبب إنكماش الاقتصاد وتوقف كافة المرافق في البلد، وحتى أزمة المحروقات الأخيرة بعد تأخر إصدار جدول الأسعار، كان الاضراب أحد أسبابها، والاَن تبحث الجهات المختصة خلق لجان وزارية للحد من انهيار القطاع العام وتسيير المرافق العامة.. فتعطيل هذه المرافق له بعد سياسي ويتعلق بالضغوط على لبنان، كما في كافة المراحل السابقة. لذلك يجب إعادة هيكلة القطاع العام والتوظيفات، وتشحيل الفائض وملئ الشواغر، إذ أن 7% من الموظفين يتقاضون كتلة كبيرة من الأجور.
ويعتبر شعيب أن هذه المشكلة سيف ذو حدين.. الحد الأول هو المواطن الذي لم يعد قادراً على تحمل التضخم والغلاء المعيشي، ومن جهة ثانية الدولة غير قادرة على طباعة الليرة منعاً لزيادة التضخم، وإذا لم تطبع كيف ستوفي الموظفين حقوقهم؟. ويوضح شعيب أنه في إطار الحل لا يمكن دفع أجور الموظفين، وعلى المقلب الآخر لا يمكن للإضراب أن يستمر بتعطيل البلد، ومن هنا يجب إيجاد حل متوازن، كالعمل على الملفات الصحية والتربوية والنقل للموظفين، هذه الملفات تعتبر رئيسية، ما يؤدي الى حل 75 في المئة من الأزمة، وهذا الأمر يدعم مختلف القطاعات والموظف في وقت واحد، أي تحقق الدولة دورة اقتصادية تخفف من وطأة التضخم وتحد من الإنهيارات في القطاعات ومن الاضرابات في آن معاً.
حلول ترقيعية اتخذتها الحكومة في اجتماعاتها الأخيرة في محاولة لإبقاء مؤسساتها على قيد الحياة والعمل، من بينها رفع بدل النقل إلى 95 ألف ليرة يومياً وتقديم مساعدة مالية للموظفين، وعلى الرغم من الحلول المختلفة الموجودة عند ذوي الإختصاص، إلا أن الدولة تختار اليوم المزيد من الانهيار في اقتصادها، مع وعود بدراسة خطة للقطاع العام علّها تكون مفيدة وتنقذ لبنان من الغرق بعيداً عن المناكفات السياسية والوعود الوهمية والمنافع الشخصية، ولعلَّ الصرخة تصل هذه المرة إلى آذان المعنيين.