/ دايانا شويخ /
وفقاً للأرقام، تبدو أزمة الحبوب مرتبطة بتصدير المخزون الروسي البالغ 50 مليون طن، وليس مجرد الإفراج عن فرص تصدير 10 مليون طن من أوكرانيا، ولكن يبدو أن روسيا تريد المساهمة بحل أزمة التصدير الأوكرانية لما هو أبعد من تخفيف منسوب الحملة الإعلامية التي تحملها مسؤولية خطر المجاعة في العالم، فموسكو تسعى لمنع التداخل بين تصعيد أزمة الغاز على أوروبا، الذي يحقق لها أرباحاً سياسية واقتصادية بالنقاط، وبين التداعيات الجانبية لأزمة الحبوب التي تصيب البلدان الفقيرة وتحمل روسيا أوزارها، علماً أن هناك في موسكو من يرى أن بعض الحملة المبالغ بها بالحديث عن المجاعة قد يكون ستاراً للتمهيد للانخراط الغربي في مفاوضات لإنهاء الحرب، بعد الوصول الى طريق مسدود في الرهان على إضعاف روسيا وتحول الحرب الى عبء ثقيل، قد يبرر السعي لوقفها من باب إنساني تقديم تنازلات سياسية.
لذلك، بدأت روسيا خطوات عملية لحل أزمة تصدير مخزونها من الحبوب الى الدول الآسيوية من خارج خط الحصار البحري الغربي على سفنها التجارية، وهي ترى البداية في هذه الخطوة التي تمت بالتنسيق مع إيران، واعلن عنها عشية زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى طهران، بضمان انتقال اول شحنة عبر بحر قزوين الى بندر عباس وصولاً الى بومباي، بعدما أعلنت شركة الشحن الحكومية الإيرانية أنها أكملت بنجاح أول عبور للبضائع الروسية إلى الهند عبر ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC). يربط IN STC مومباي وبندر عباس وباكو وبندر انزلي و أستراخان وموسكو، ولا يخضع لعقوبات ضد روسيا.
هل تنفرج أزمة الحبوب بعد قمة مجموعة العشرين؟
“القمح أكثر محورية للحضارة من النفط”، هذا ما أكدته اللجنة الفرعية التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي بعد أزمة نقص الحبوب التي شهدها العالم في العام 2010، حيث قفزت العقود الآجلة للقمح في مجلس شيكاغو للتجارة بالحد الأقصى المسموح به للصعود، مسجلة أعلى مستوى في 23 شهراً عند 7.85 دولارات للبوشل ( يعادل بوشل القمح 70 .2 كيلوغرام )، وهذا ما يشير إلى أن القمح بات سلعة استراتيجية تحتل مكانة عالمية مهمة. واليوم يعيش العالم بأكمله الازمة مرة أخرى بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ أنه بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا وفرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية عقوبات اقتصادية على موسكو، استخدمت الأخيرة ورقة الغاز والنفط والحبوب للتهديد بمنع تصديرها من منطقة البحر الأسود التي تعتبر من أهم المراكز العالمية لإنتاج الحبوب.
ومع إغلاق الموانئ البحرية وتوقف حركة التجارة ارتفعت الأسعار وبات هناك نقص في الغذاء، وهذا ما أكدته منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة (فاو): “إن ازمة الغذاء قد تصبح عالمية ما لم يتم التحرك فورا”، وقد بلغ سعر بوشل القمح في تداولات بورصة شيكاغو لشهر حزيران 2022 رقم الـ 11 دولارا .
صادرات روسيا وأوكرانيا
يأتي أكثر من ربع صادرات القمح العالمية من روسيا وأوكرانيا. وتعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، حيث تمثل أكثر من 18 في المائة من الصادرات الدولية. وفي العام 2019، صدّرت روسيا وأوكرانيا معًا أكثر من ربع القمح العالمي (25.4 بالمائة)، وفقًا لمرصد لمنظمة التعاون الاقتصادي. أما أوكرانيا فهي خامس أكبر مصدر للقمح، حيث استحوذت على سبعة بالمائة من المبيعات على مستوى العالم في العام 2019. وصدرت روسيا منتجات بقيمة 407 مليار دولار، وأوكرانيا بـ 49 مليار دولار في العام 2019.
وحذر محللون من مجاعة جماعية، وحظي المضاربون بيوم مشهود، ما أدى لارتفاع الأسعار الى درجة ان بورصات شيكاغو التي يضارب فيها المتداولون على التعاقدات الآجلة لتوريد الحبوب وصلت أقصى حدودها اليومية، واضطرت الى التوقف عن التداول خمسة أيام متتالية.
هل العالم مهدد بالمجاعة؟
حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من مجاعة عالمية تستمر لسنوات بسبب هجوم روسيا العسكري ضد أوكرانيا، وفق تغريدة المنظمة الدولية على “تويتر”.
ويشير تقرير الأمم المتحدة العالمي حول أزمة الغذاء، الذي نشر في أوائل مايو/أيار، إلى تأثر 193 مليون شخص في العام 2021 في 53 بلداً بشدة جراء انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى المساعدة بشكل عاجل، مع توقعات بتجاوز الرقم لـ 275 مليون نسمة مع نهاية العام 2022.
قمة مجموعة العشرين وانعكاسها على الأزمة
تبدو حلحلة الأزمة قريبة مع تصريح وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في اجتماع دول العشرين في اندونيسيا، الذي ابدى استعداد روسيا للتفاوض مع تركيا وأوكرانيا بشأن إلغاء العقبات بوجه التصدير.
واتسعت المباحثات التركية ـ الروسية بعد ان أبدت انقرة جهوزيتها للإشراف على تأمين ممر غذائي للمنتجات الأوكرانية والروسية عبر البحر الأسود، حيث قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش اوغلو “نتحدث عن آلية يمكن إنشاؤها بين الأمم المتحدة وروسيا وأوكرانيا وتركيا لاستحداث ممر لنقل الحبوب. وانقرة ترى ان هذه الآلية ممكنة وقابلة للتطبيق”. أما من جهة روسيا فأبدت استعدادها لتسهيل المهمة، لكن على كييف أولاً ان تنزع الألغام البحرية، كما صرح الوزير الروسي سيرغي لافروف “مستعدون مع نظرائنا الأتراك لضمان أمن السفن المغادرة للموانئ الأوكرانية، وحين تبدي أوكرانيا استعدادها لإزالة الألغام البحرية فنحن جاهزون”.
وبمبادرة من وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، تم إنشاء “خط ساخن” بين كل من تركيا وروسيا وأوكرانيا لحل أزمة خروج سفن الشحن الناقلة للحبوب من الموانئ الأوكرانية.
في 13 تموز انطلقت في اسطنبول أول جولة محادثات تستضيفها تركيا بحضور الأمم المتحدة ومشاركة روسيا وأوكرانيا للبدء بمسار يهدف لوضع أسس حل أزمة تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد إتصال أجراه بكل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.