في السجالات الأخيرة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، تبيّن أن كلاً منهما ينتظر أجوبة الآخر على ما طرحه عليه بملف تشكيل الحكومة، دونما ان يُعرف تماماً مَن يقتضي ان يجيب أولا.
وذكرت صحيفة “الأخبار” أن ميقاتي سلّم تشكيلة الحكومة، وينتظر ملاحظات عون عليها كي يتناقشا. ورد عون بأنه ابدى لميقاتي ملاحظات وينتظر تعليقه عليها. هكذا دارت السجالات بين الرئيسين، دونما ان تُكسر حلقة مَن يجيب أولا. بيد ان ذلك لا ينبئ بالضرورة بأن كليهما لا يريد حكومة جديدة، او يفتعل ازمة دستورية بلا ثمن.
وبدت لـ “الأخبار” معادلة الحالة النافذة لمراحل التأليف، سواء نجحت او أخفقت في ما بعد، كالآتي:
1 – ما دام يملك التوقيع الأخير غير المستغنى عنه، ثم أعاد أخيرا تأكيد مشاركته في تأليف الحكومة، يطرح عون مواصفاتها المغايرة عن ميقاتي. ذلك آخر توقيع كبير ومهم له قبل نهاية الولاية، يأخذ في الحسبان ان حظوظ انتخاب خلف له مساوية لحظوظ الوقوع في الشغور الرئاسي. مع انه لمس في الفترة المنصرمة مع ميقاتي كرئيس حكومة ما بين 10 ايلول 2021 و22 ايار 2022 كل تعاون، فلم ينشأ خلاف بينهما ابان ولاية الحكومة المستقيلة، وبَانَ له ميقاتي مجرَّباً ناضجاً متفهّماً على طرف نقيض من سلفه الرئيس سعد الحريري، بيد ان خوضهما الآن غمار الحكومة الجديدة اعاد اليه الصورة المعاكسة، بل الاصح المشاكسة، المشابهة لما كان خبره في علاقته به في خلال ترؤس ميقاتي ثانية حكوماته ما بين عامي 2011 و2014، وكان عون لا يزال رئيس تكتل التغيير والاصلاح. آنذاك كانت خلافاتهما على السطح.
2 – يتصرّف ميقاتي انطلاقاً من ان عامل الوقت لمصلحته. هو رابح كيفما قُلِّب وجه الازمة. لأنه رئيس حكومة تصريف اعمال ورئيس مكلف، وكلاهما ثابتان لا يُنتزعان منه ما داما متلازمين، يملك ان يفرض من الشروط ما يمكّنه من القول انه يريد حكومته هو. لذا يحصر صلاحية رئيس الجمهورية بالتشاور معه في التأليف، لا كشريك له. ما لم يسع الحريري في اي من الاوقات ان يُبرزه امام عون، ما بين عامي 2019 و2021، بتكليفه وعزوفه اكثر من مرة، وهو ان يؤلف حكومته هو لا حكومة المساكنة مع رئيس الجمهورية، يشي تمسّك ميقاتي بصيغته المقترحة واصراره عليها، ربما في التوقيت الحالي الذي يجده استثنائياً ومثالياً على ابواب نهاية الولاية، توخيه ان ينتزع من رئيس الجمهورية ما لم يسع سلفه ان يفعله معه.
3 – تكاد المعادلة الصائبة بين الرئيسين في الوقت الحاضر تكمن في ان ما يتقدم به ميقاتي في تشكيلة الحكومة الجديدة لا يوافق عليه عون، وما يقبل به عون ليس في امكان ميقاتي ان يقدمه. الانكى ان كلا منهما يعرف كذلك، وسلفاً، ما يستفز الآخر ويحمله على الرفض. هما بذلك على طرفي نقيض في مقاربة مواصفاتها، اضف ان انقطاع تواصلهما ضاعف في افتراق وجهتي النظر وأبعدهما اكثر. لا وسيط بينهما لتسهيل التفاهم والافادة من عامل الوقت. رئيس المجلس غير معني مباشرة بالاستحقاق، يفضّل التفرّج على الفصول الاخيرة استعداداً للمرحلة الجديدة المعوَّل عليه فيها لانتخاب الرئيس الجديد.
بدوره حزب الله يكتفي بدور مماثل دونما ان يخطو في اتجاه اي من الرئيسين. المعلن ان له مآخذ سلبية على الرئيس المكلف وشكوكاً فيه، الا ان المضمر لديه ان حساباته في الاستحقاق الرئاسي لا تشبه على الاطلاق ما يريده الرئيسان او يفكران فيه. آن ذاك تصبح الحكومة غير ذات شأن أو أهمية لديه.