/ محمد حمية /
نزل قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بزيادة رواتب القضاة ما يزيد على خمسة أضعاف، كالصاعقة على رؤوس الموظفين في الوزارات والإدارات الأخرى، وفتح الباب على انقسام بين القطاعات الوظيفية سيتحول عاجلاً أم آجلاً الى صراع وظيفي ـ طبقي، بعدما قسمهم القرار إلى “قطاعات بسمنة وقطاعات بزيت”.
قِيل إن التدبير المصرفي الذي اتخذه مصرف لبنان لن يدخل حيّز التنفيذ، لكن مصادر مصرفية تؤكد أن بعض المصارف أبلغت قضاة لبنانيين بارتفاع قيمة رواتبهم 5 أضعاف. علماً أن أي طعن بالقرار من جهات متضررة أمام مجلس شورى الدولة، لن يُقبل، كون مجلس الشورى يتألف من قضاة لن يعطلوا أي قرار يصب في مصلحتهم.
ويحتسب سعر صرف الرواتب وفق التدبير على قيمة 8 آلاف ليرة لبنانية للدولار الواحد، وتجري العملية وفق قاعدة قسمة الراتب على سعر صرف 1515 وضرب الرقم بـ8 آلاف ليرة، أي سعر الصرف الذي تعتمده المصارف لسحوبات الودائع بالدولار.
القرار لم يقتصر على القضاة، بل شمل النواب وفق تأكيد أكثر من نائب صحة القرار.
تدبير أُحيط بالكتمان في بداية الأمر، ويكتنفه الغموض لجهة خلفياته وأسبابه؟
لماذا استثناء القضاة والنواب بقرار زيادة الرواتب فقط، علماً ان كافة الموظفين يعانون المشكلة نفسها؟ وما علاقة ذلك بتسوية قضائية ـ سياسية لـ”ضبضبة” و”لفلفة” ملفات الفساد التي تواجه حاكم المركزي رياض سلامة؟
أوساط سياسية أبدت استغرابها لهذه الخطوة، متسائلة عما إذا كان القرار هو “هدية مالية” للقضاة، كمكافأة من “الحاكم” على القرارات القضائية التي أصدرها القضاء مؤخراً، والتي جاءت لمصلحة رياض سلامة وشقيقه رجا، لا سيما قرار إخلاء سبيل رجا سلامة بعد تخفيض قيمة الغرامة المالية، وإرجاء استجواب رياض سلامة الى العام المقبل، وتجميد تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة بحقه من القاضية غادة عون، وإحالة عون إلى المجلس التأديبي، ومحاولة كف يدها عن الملف ونقله الى قاضٍ آخر.
قرار مخالف ليس للقانون فحسب، بل لمقدمة الدستور الذي ينص على أن اللبنانيين متساوون في الحقوق والواجبات. لكن القرار الاعتباطي سيدفع بقطاعات الدولة الأخرى للمطالبة بالمعاملة بالمثل وزيادة رواتبهم على سعر 8000 ليرة، كما طالب موظفو وزارة المالية، وتلويح المتقاعدين العسكريين باقتحام وزارة المال في حال تم صرف رواتب موظفي المالية والقضاة دون غيرهم على سعر 8 آلاف ليرة وبالتالي تضارب المصالح بين القطاعات الوظيفية.
فهل القرار مقصود لخلق الشقاق بين الموظفين ليكون مبرراً لتجميد أي قرار لتصحيح زيادة الرواتب؟
تصحيح أو تعديل الرواتب، من أولى الحقوق الأساسية للموظفين، بعد الإنهيار الكبير في قيمة العملة الوطنية وتدني القدرة الشرائية للرواتب، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وتحليق أسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات والاتصالات وغيرها. إلا أن أي قرار اعتباطي كهذا، من دون رؤية وخطة واضحة، سيؤدي إلى تضخم هائل، وانتفاخ في الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، ما سيؤدي الى مضاعفات اقتصادية خطيرة تتعدى تداعيات إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 والتي كانت بمثابة رشوة انتخابية قبل الانتخابات النيابية 2018، علماً أن معظم المسؤولين في الدولة أقروا بأضرارها الاقتصادية.
قرار سيفجر القطاعات الوظيفية، وسيدفع الموظفين، لا سيما مديريتي الصرفيات والواردات في وزارة المالية، لتوسيع دائرة إضرابهم، ما سيؤدي الى شللٍ تام في مؤسسات وإدرات الدولة، ما سينعكس على تقديم الخدمات للمواطنين وتسيير المرافق العامة.
لكن كيف سيتقاضى القضاة والنواب رواتبهم الجديدة إذا ما استمر الإضراب في دوائر وزارة المال، واستمر موظفو الصرفيات برفض صرف الرواتب؟