ندى الصباحات ومداد الروح

فيصل طالب (*) 

يا صديقي وجيه..

لرحيلك وقع الصاعقة على كل من عرفك وأحبّك، وأنت في قمّة عطائك وذروة اغتنائك بدروس الحياة، عبر مسيرة سعيتَ فيها بدأب إلى مقاصد الحب والخير والجمال.

أبا صبحي..

كيف للصباحات أن تعثر على نداها المختبئ في مداد الروح، وقد تجسّد أحرفاً من نور فوق قرطاسك الناضح بما اختزنت من فكر ثاقب ورأي حصيف؟!

كيف لجلسات الودّ أن تنعقد في غياب رنّات ضحكاتك الطالعة من تولّهك الرائع بالحياة، وتماهيك في تبسّماتها، واندياحك في أفراحها، وإغفالك عن منغّصاتها؛ لكأنّك كنتَ في سباق معها كي تتملّى منها عطاءً وحبّاً وفرحاً، متجاوزاً في سبيل ذلك حتّى أزماتك الصحيّة بالغة الصعوبة، فقاومت نذير الخطر الزاحف إليك غير مرّة بمزيد من التشبث المذهل بالعطاء؛ ولكأنّك ذلك الخبير الذي يعرف كيف يغالب صروف الدهر فيأتي إلى وَعُرها بحقول الزنبق والياسمين، ولا ينفك يزرع فيها بذور الخير الذي لا ينقطع. ولكأنّك اعتقدتَ أننا لا ندرك معنى الموت إلّا بمقدار إدراكنا لمعنى الحياة، وأننا لا نمتلك إرادة الحياة إلّا إذا تجاوزنا عبثية الموت، وتجرّأنا على الخوف منه بمزيد من الانخراط في دينامية العيش والحب والعطاء.

عندما يغيب كبير من بلادي. في مثل هذا الزمان البائس، يزداد شعورنا بالاغتراب، ويعترينا إحساس مرير بأنّ ملمحاً آخر من ملامح وجه لبنان الجميل يختفي، تاركاً وراءه بقعةً من الحزن والأسى تضيف ألواناً شاحبة إلى المشهديّة المنكفئة من ساحة النبض الحيّ إلى ما وراء تلال القهر والعبث والهذيان.

أبا صبحي.. يا صديقي وجيه ..

لا .. لم ينضب جدول الفرح الذي رقرق عشقاً للحياة على مدى العمر الزاهي! إنّه يتحوّل إلى سيل من الحب لن يستقرّ إلّا في تردّدات الزمن المفتوح على الأبدية.

أبا صبحي..

وأنت ترحل عن هذه الدنيا الفانية، فإنّك تدع محبّيك يهيمون في ضباب الصمت العابق برائحة الفقد والخسران، في ظلال الأوقات الباهتة والباردة والضَجِرَة؛ لكنّهم على يقين راسخ أنّ ذكراك حيّة، ورأيك وجيه، وفكرك فانوس … على مرّ الزمان.

رَحِمَك الله.

(*) المدير العام السابق للشؤون الثقافية