وجيه فانوس.. رحيلٌ هادئٌ ووصيّة

نشر الدكتور جورج طرابلسي على صفحته في “فايسبوك” حواراً بينه وبين رئيس ندوة العمل الوطني الكاتب الراحل الدكتور وجيه فانوس، تحت عنوان: دكتور وجيه فانوس بحبكن كتير كتير.

بيروت في 1 تموز 2022
ـ آلو، بونجورك دكتور
ـ أهلا مين؟
ـ تلميذك جورج طرابلسي
ـ أهلاااااااااا، كيفك يا حبيب القلب؟
ـ لبيعرفك يا دكتور بيقولولوه نيالك، ما بيسألوه كيفك..
ـ تسلم، تسلم، تسلم.. شو عنّا جديد؟
ـ والله يا دكتور عم تلفنلك حتى إعزمك بـ 7 تموز 2022 ع احتفالية اطلاق كتاب “علّمتنا الحياة” يللي حضرتك متوجو بمشاركتك القيّمة، بتذكر؟
ـ إي بذكر بذكر.. بس..
ـ بس شو؟! ما تقللي مش قادر.. ما في أعذار.. يخزي العين عليك، عم تابع منشوراتك بالجرايد ومواقع التواصل، وخصوصا بموقع “ألف لام”.. يعني بدنا ندقلك عالخشب، ما حدا قدك، اسم الله عليك..
ـ يا أستاذ جورج بترجاك افهمني.. انت بتعرف قديش بحبك.. وبعدين ما بدو مين يعزمني ع توقيع هالكتاب.. هيدا كتابنا.. وأنا المفروض اعزم الناس مش انعزم.. بس..
ـ بس شو؟
ـ أنا تعبان كتييييييير يا خيي جورج..
ـ خير شو باك؟؟
ـ والله يا حبيب القلب عم إتحدى الوقت، واشتغل 24 ع 24 حتى لحّق انشر أعمالي قبل ما ودّعكم..
ـ ما تقللي بدك تهاجر؟! ولو، معقول المتلك يترك لبنان ويتخلّى عنو؟ معقول وجيه فانوس يكون متلو متل غيرو؟! لا، لا، ما بصدق.. وبعدين لوين من غير شر مسافر؟
ـ أنا ما بعرف لوين.. كل يلّي بعرفو هوّي إنو مشواري رح يكون بعيد وطويل كتييييير..
ـ يا إلهي!!! دخيلك دكتور فزّعتني، بربّك شو القصة؟
ـ يا خيي جورج، أنا كتير مريض، وعم بخضع للعلاج بمستشفى الجامعة الأميركية، وهالشي ما حدا بيعرفه.. إنت أول انسان بخبّره.. أنا مريض لدرجة خسرت 30 كيلو من وزني خلال 6 أشهر.. بتمنّى عليك ما تخبّر حدا..
ـ (……………………..)
ـ خيي جورج رح إبعت ابني ليمثلني بالاحتفالية.. هو بجبلي نسختي من الكتاب.. اعذرني، إنت بتعرف قديش بحبك، وبتمنّى عليك من كل قلبي إنو تسلّم نيابة عني عالجميع وتقللن وجيه بودّعكن وبقلكن “قد الدني ووسع السما بحبكن”..

اليوم 13 تموز 2022، إنسلَخ الدكتور وجيه من عيوننا ليبدأ رحلة خلوده في ذاكرتنا وأعمق اعماق قلوبنا..

هنا مشاركته (الأصحّ وصيّته) في كتاب “علّمتنا الحياة”، والتي أرسلتها إليه عبر الوتسآب، بعيد محادثتنا الوداعية:

“علّمتني الحياة، بالتنوّع المتعدّد الغنى لأحداثها، أنْ أكون ثابتًا في مواقفي معها، لكنْ من غير ما تحجّر في مساعيّ إلى تحقيق هذه المواقف وممارستها.
وعلّمتني الحياة، لشدّة المآسي التي أدخلني فيها عيْشي لها، أنْ لا يأس معها وأنّ رحابة ابتسامات الانفتاح على الآخر، تبقى، أبدًا، أشدّ فاعليّةً وعطاءً من انغلاق تقْطيبة الغضب في وجه هذا الآخر والانعزال عنه.
وعلّمتني الحياة، أنْ أقابل الإساءة، كيفما أتتْ ومن أين ما أتتْ، بالحسنة؛ إذْ طالما خبرت انتصار الحسنة على السّيّئة، وطالما عاينت انقلاب الخصْم، إلى حليفٍ أو متفهّم، إذا ما كان السّعي إلى حسن تبيان الرّأي هو ديدن التّعامل معه.
وعلّمتني الحياة، أنْ لا وجود إيجابيًّا فاعلًا لها، بعيدًا عن الوجود المجْتّمعيّ لناسها؛ ولذا، وكما يرد في الأدبيّات المحْكيّة في بلادنا، فإنّ “الجنّة بلا ناس ما بْتنْداس”.

وجيه فانوس، دكتور وأستاذ جامعي، أمين عام اتحاد الكُتّاب اللبنانيين، رئيس المركز الثقافي الإسلامي، رئيس ندوة العمل الوطني.