/ هبة علّام /
لم تنته بعد تداعيات خطوة “حزب الله” بإرسال مسيّرات فوق حقل “كاريش”، حيث يعمل العدو الإسرائيلي على إنجاز ما تبقى من عملية التحضير للبدء بالاستخراج في أيلول المقبل.
هذه الخطوة التي قسمت الرأي العام اللبناني، كالعادة، جعلت الموقف الرسمي “مخجل”، بعدما سارع المسؤولون إلى التنصّل ممّا جرى، لا بل واعتباره عملاً في غير وقته ومضرّاً بمفاوضات الترسيم.
عملياً، لم تستغرب أوساط متابعة هذا الموقف الرسمي المتماهي مع “الرضى الأميركي”، رافضةً ما حُكي عن أن تلك المسيّرات أضرّت بالمفاوضات ومن شأنها أن تعيد الأمور إلى المربع الأول، على اعتبار أن المفاوضات أصلاً لا تزال في تلك النقطة، فالاسرائيلي لا زال يعتبر خطه عند الرقم واحد، وأن “كاريش” له حصراً مع جزء من حقل قانا.
ولفتت الأوساط إلى أنه على عكس كل “الهرطقات” التي تظهر هنا وهناك، فإن هذه المسيّرات من شأنها تقوية الموقف اللبناني، لأن وجود مقاومة قادرة وقوية في لبنان هو ما دفع الأميركي والإسرائيلي لخوض مفاوضات ترسيم، وذلك لأنهم على دراية مطلقة بأن استباحة أرض أو مياه لبنان كما في السابق، لم يعد أمراً متاحاً بالنسبة لهم بوجود توازن الرعب الذي رسّخته تلك المقاومة بمعادلات الردع القائمة.
كما أشارت الأوساط نفسها إلى أن المفاوضات اليوم لا يمكن أن يوقفها شيء، فالأميركيون ليس لديهم ترف المماطلة وسط حاجتهم وأوروبا للغاز أولاً. إضافة إلى ذلك، هم يريدون تهدئة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، وبالتالي الابتعاد عن كل ما من شأنه أن يفجّر حرباً في غير توقيتها.
كذلك حاجة “الكيان الإسرائيلي” إلى الموارد النفطية، لاسيما وأن لديه عقود استثمارات بعشرات مليارات الدولارات في حقول الغاز.
وذكّرت الأوساط بأن “حزب الله” قال إنه يقف خلف الدولة اللبنانية في ما خص ملف ترسيم الحدود حصراً، ولكنه لم يقل ذلك في مسألة صراع الغاز العالمي اليوم، وبالتالي فإن تلك المسيّرات هي رسالة تفيد بأن تهديد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أصبح جدياً أكثر مما هو مجرد رفع سقف في خطاب. وهي تفيد أيضاً بأن الحزب أصبح اليوم قوّة مؤثّرة وقادرة على فرض معادلات في الصراع العالمي حول الغاز، ولم يعد الأمر محصوراً بمسألة ترسيم حدود أو حقول الغاز اللبنانية.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المشكلة اليوم ليست في المفاوضات نفسها، التي لن تفيد لبنان حتى ولو حصّل ما تيسّر من حقوق طالما أنه ممنوع من استخراج الغاز، وبالتالي فإن ما يعمل عليه “حزب الله” هو إرساء معادلة ردع متعلّقة بالاستخراج لا بالترسيم فقط، حيث لا يمكن السماح للعدو الاسرائيلي باستخراج الغاز وتنفيذ اتفاقيات النقل والبيع التي عقدها مع الدول، فيما لبنان يقف متفرجاً على حقول الغاز اللبنانية.
وفي الإطار، تكشف المصادر عن رسالة حملها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم من أميركا إلى اللبناني، وتفيد بأن أميركا لا علاقة لها بالشركات الموكلة العمل في حقول الغاز اللبنانية بناء على عقود مع الدولة، على قاعدة أن لا سلطة أميركية على تلك الشركات الفرنسية، لذلك لا يمكنها الضغط بهذا الاتجاه. وبالتالي فإن هذه الرسالة قد تبدو عادية في الشكل، لكن في المضمون هي رسالة سيئة جداً تشير إلى أن الإدارة الأميركية لن تسمح للبنان بالاستخراج، ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً مهما تقدّمت المفاوضات.