/ محمد حمية /
دخل البلد، في مدار عطلة عيد الأضحى التي تمتد عملياً إلى مطلع الأسبوع المقبل، بالتزامن مع حالة استرخاء تلف المشهدين السياسي والحكومي مع سفر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى السعودية لأداء فريضة الحاج، وبالتالي تعطيل الحركة السياسية وعملية التأليف الحكومي، ومعها جمود التصريف الحكومي لمتابعة الملفات الأساسية واليومية، ما يعني الشلل شبه التام في مؤسسات ومفاصل الدولة، وترك البلاد على غاربها على المستويات كافة، باستثناء ما تيسّر من مواكبة أمنية للأجهزة العسكرية والأمنية للوضع الأمني في أيام العيد.
حالة الجمود سترافق البلد خلال العطلة التي فرضتها الأعياد وسفر الرئيس المكلف الى السعودية، تُشكل الاختبار الأول للفراغ المتوقع حصوله في المؤسسات، لا سيما في مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية، وعيّنة مصغرة عما ستكون عليه أحوال البلد فيما لو دخلنا في مستنقع الشغور في سدة الرئاسة الأولى والفراغ في السلطة التنفيذية.
هذا الفراغ سيضع الملفات كافة في ثلاجة الانتظار الى ما بعد انتهاء العطلة، لا سيما مشاورات تأليف الحكومة والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وأزمة المصارف ومصرف لبنان، وملف ترسيم الحدود البحرية وتفعيل خط الغاز العربي من مصر والأردن الى لبنان، وأزمة الكهرباء والمياه المتفاقمة منذ أسابيع في العاصمة بيروت ومناطق أخرى، والتي أصابت بشظاياها مرافق حيوية كالمرفأ ومطار بيروت، وكذلك أزمة المحروقات التي توقعت مصادر نقابية أن تتجدد في أي وقت على وقع التقنين الذي يعتمده مصرف لبنان بصرف الاعتمادات المالية بسبب الاستنزاف الحاصل بالاحتياط النقدي لديه، وكذلك ملف تحقيقات انفجار المرفأ الملتهب والقابل للانفجار الشعبي ـ السياسي في أي لحظة، إضافة إلى أزمة النزوح التي تشهد صراعاً خفياً بين جناحي الحكومة: جناح يسعى لحل الأزمة، ويشمل وزراء ثنائي أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية والمردة، والذي تعكسه حركة ومواقف وزير المهجرين عصام شرف الدين. وجناح ثانٍ يعبر عنه رئيس الحكومة، ومن خلفه المجتمع الأوروبي الذي يريد إبقاء النازحين في لبنان لأسباب سياسية اقتصادية أمنية عدة.
ويترقب الوسط السياسي والاقتصادي والشعبي لرصد انعكاسات “الفراغ المؤقت”، على الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية، لا سيما على سعر صرف الدولار في السوق السوداء وأسعار المحروقات والمواد الغذائية والأدوية وتعرفة الاتصالات وغيرها من السلع، في ظل نمو حركة الاعتراض الشعبي في الشارع والمتوقع أن تتزايد تدريجياً ككرة الثلج عندما يستفيق اللبنانيون من صدمة رفع تعرفة الاتصالات ولائحة الأسعار الجديدة، وسط معلومات بأن الانفجار الشعبي في الشارع لن يتأخر وتكتمل عناصره السياسية والاجتماعية والاقتصادية من القرارات الحكومية القاسية على الشعب، وظهرت مؤشراته الأمنية أيضاً بالاحتجاجات الشعبية منذ بداية الشهر الجاري الى الاشتباك الدائر أمام مصرف لبنان.
الأنظار تتجه إلى النتائج المرتقبة لفراغ عطلة الأضحى على الواقع السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان.. فإذا كان الواقع السياسي والأمني والسوق الاقتصادي المالي النقدي لا يحتمل أي هزة فراغ مؤقت لبضعة أيام، فكيف سيكون الحال اذا لم تؤلف الحكومة الجديدة حتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية، وأعقب ذلك فراغ في رئاسة الجمهورية في ظل مشهد أمني متفجر في الشارع؟ وماذا سيحصل في سوق الصرف؟ هل سيصمد الدولار ومنصة صيرفة وتعاميم مصرف لبنان في مناخ سياسي ـ حكومي – طائفي متأزم وفراغ شامل في الدولة؟ ومن يردع مافيات الاحتكارات والتهريب والتلاعب بالعملة الوطنية؟ كيف سينعكس كل ذلك على المشهد الوطني في ملف الترسيم الحدود الذي بلغ مراحله الحساسة والنهائية؟ هل سيستغل العدو هذا الواقع الداخلي الهش للمزيد من قضم وهضم حقوق لبنان النفطية والغازية؟ وهل يتحول الواقع إلى فوضى سياسية ـ دستورية ـ اقتصادية ـ نقدية ـ أمنية طويلة الأمد، لن تنتهي إلا بحرب داخلية اجتماعية ـ أمنية ـ طائفية ومؤتمر حوار وطني على غرار اتفاق الطائف؟ أم تنجح فرنسا في ربع الساعة الأخير بفرض تسوية داخلية مؤقتة من بوابة الحاجة الأوروبية للاستقرار في البحر المتوسط، لاحتواء خطر النزوح السوري وضمان استخراج آمن للغاز الإسرائيلي وتصديره الى أوروبا قبل حلول فصل الشتاء، وبالتالي تؤدي هذه التسوية الى لجم الانهيار والارتطام في لبنان وتحدث ثغرة في جدار الأزمة؟.